تحولت حملة دولية لمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية بسرعة من مجرد مصدر إزعاج ضئيل إلى واقع اقتصادي قاسي للمزارعين الإسرائيليين في غور الأردن بالضفة الغربية. وانخفض صافي الدخل من صادرات المزارعين في 21 مستوطنة في الغور أكثر من 14%، أو 29 مليون دولار، عن العام الماضي، ويرجع هذا لأن سلاسل الاسواق الكبيرة في أوروبا الغربية، ولا سيما في بريطانيا والدول الإسكندنافية، يتجنبون بشكل متزايد منتجات المنطقة من الفلفل والتمر والعنب والأعشاب الطازجة. وقللت إسرائيل من تأثير حملة "المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات"، التي أطلقها نشطاء فلسطينيون في عام 2005 للضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي المحتلة. ورغم رد فعل إسرائيل الرسمي على المقاطعة، يعتقد بعض المزارعين في المنطقة أن الحملة قد أدت لتداعيات اقتصادية في المنطقة. وتعيش نيفا بنزيون، في مستوطنة نتيف هوغداد، واعتادت على بيع 80% من إنتاج مزرعتها من الفلفل الحلو والعنب لسلاسل الأسواق الكبيرة في أوروبا الغربية، وخاصة في بريطانيا. وقالت إن المبيعات إلى أوروبا الغربية انخفضت في العامين الماضيين، وتقترب من الصفر، وأضافت أن ما تبيعه الآن معظمه يذهب إلى أوروبا الشرقية وروسيا ويصل إلى 40% من إنتاجها. وقلصت المساحة المنزرعة لديها بنسبة الثلث هذا الموسم، وتقول إنها تشك فيها أن تستطيع تغطية نفقاتها على هذا الحال. وأضافت: "في غضون سنوات قليلة، أو حتى هذا أو العام المقبل، لن نستطيع بيع أي من منتجاتنا للمجتمع الأوروبي وبعد ذلك سيتعين علينا إيجاد أماكن أخرى للقيام بذلك أو أن نقرر الخروج من المستوطنة". وقال ديفيد الهياني، رئيس المجلس الإقليمي ل"غور الأردن": "لدينا 21 مستوطنة، 52 ألف دونم زراعي (الدونم الواحد يساوي 1000 متر مربع) والعائد المالي من الزراعة، وخاصة من التصدير قيمته حوالي 600 مليون شيقل (1.7 دولار أمريكي) سنويا، قد أثرت فينا هذه المقاطعة بمثل هذه الطريقة وهناك انخفاض في الدخل بنحو 100 مليون شيقل (نحو 28.6 مليون دولار أمريكي) سنويا". وتأتي مشكلة المزارعين في غمرة جدل متزايد في اسرائيل حول تداعيات فشل محتمل لمهمة الوساطة التي يتولاها وزير الخارجية الأمريكية جون كيري. ويريد "كيري" التوصل إلى اتفاق على الخطوط العريضة لاتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن لا تزال هناك فجوات واسعة بين الجانبين. وحذر أنصار صفقة الأرض مقابل السلام مع الفلسطينيين من أن إسرائيل قد تواجه مقاطعة متصاعدة من ذاك النوع الذي أسقط نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، إذا رفضت مقترحات كيري التي من المقرر أن يقدمها في الأسابيع المقبلة. وقد ظهرت قضية غور الأردن بشكل بارز في اجتماعات كيري مؤخرا مع القادة الإسرائيليين والفلسطينيين، كجزء من الترتيبات الأمنية المقترحة بين إسرائيل والدولة الفلسطينية المستقبلية. ويريد الفلسطينيون إقامة دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وهي الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، وسيشكل الغور الحدود الشرقية لفلسطين مع الأردن. وذكرت تقارير أن كيري اقترح أن تبقي إسرائيل سيطرتها العسكرية على تلك الحدود لمدة 10 سنوات على الأقل بعد اتفاق السلام لمعالجة المخاوف الإسرائيلية بشأن هجوم عربي مباغت أو تدفق محتمل للأسلحة والمقاتلين. ويقول المتشددون الإسرائيليون ومن بينهم أعضاء في حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إن غور الأردن يجب أن يظل تحت السيطرة الإسرائيلية إلى الأبد. ويقول الفلسطينيون إن مثل هذا الخيار يمنعهم من إقامة دولة قابلة للحياة لأنها في حاجة إلى الأراضي الزراعية والمساحات المفتوحة. وقال عوزي ديان، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، إن إسرائيل بحاجة الى غور الأردن، الذي يشكل نحو ربع الضفة الغربية، نظرا لعمقه الاستراتيجي. وقال، وهو يقف على قمة جبل يطل على مزارع نخيل مترامية الأطراف، إن "الوجود هنا في غور الأردن، أمر محوري. فالأمن القومي لإسرائيل يستند على الدفاع عن الحدود وليس على المقاطعة وغير ذلك، لذلك أرى العيوب. أرى مشكلة في الامر وآمل كثيرا أن يتفهمها الناس". وكانت بعض سلسلة المحال التجارية البريطانية قد أوقفت بيع السلع المنتجة في المستوطنات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة ويعود ذلك إلى توجيهات صدرت عام 2009، تنصح بأنهم "قد يرتكبون مخالفة" إذا ما حاولوا بيع بضائع من الضفة الغربية وقاولوا إنها منتجات إسرائيلية. وقالت سلسلة محال "ماركس أند سبنسر"، إنها أوقفت بيع المنتجات القادمة من الضفة الغربية منذ عام 2007. كما قالت محلات "ويتروز" الراقية إنها أوقفت بيع الأعشاب القادمة من الضفة الغربية منذ عدة سنوات. ومن جهتها قالت محال "موريسون"، وهي رابع أكبر سلسلة متاجر في بريطانيا، إنها أوقفت بيع التمور القادمة من الضفة الغربية منذ عام 2011. وفي عام 2012، حظرت كو-أوبوريتف جروب، وهي خامس أكبر متاجر لبيع المنتجات الزراعية، إنها رفعت منتجات المستوطنات الإسرائيلية من رفوفها. وبعض متاجر البيع بالتجزئة، مثل كو-أوب، قالت إنها اتخذت موقفا أخلاقيا معتبرة أن المستوطنات غير شرعية. وقال آخرون مثل "ويتروز"، إن قرارهم نابع من مصالح تجارية. وتستهدف حملة المقاطعة التي يتزعمها فلسطينيون الضغط على الحكومة الإسرائيلية للانسحاب من الضفة الغربية والقدس الشرقية وتفكيك عشرات المستوطنات هناك التي يقيم فيها حاليا أكثر من 550 ألفا من المدنيين الإسرائيليين. وانسحبت إسرائيل من غزة عام 2005، ولكنها مازالت تقيد الوصول إلى الأراضي التي تحكمها حركة "حماس". ويقول نشطاء إن حملة "المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات" تكتسب زخما وأشاروا إلى سلسلة النجاحات التي تحققت في الآونة الاخيرة. وقال مدير صندوق "بي. جي. جي. إم" الهولندي لمعاشات التقاعد، هذا الأسبوع، إنه سحب استثماراته من خمسة بنوك إسرائيلية لأنها تشارك في تمويل بناء المستوطنات اليهودية. وتسببت قرارات أخرى، مثل القرار الأخير لمجموعة علمية أمريكية لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية في رد فعل واسع النطاق ويرجع هذا في جانب منه لأن القرار استهدف إسرائيل وليس المستوطنات فقط. وبدأ الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير مشروعة بموجب القانون الدولي اعتماد بعض التدابير المناهضة للاستيطان، وأبرزها حظر تمويل الاتحاد الأوروبي للمشاريع البحثية في الأراضي المحتلة، وهو ما دخل حيز التنفيذ هذا الشهر. ويقول مستوطنو غور الأردن، أن المقاطعة أضرت أيضا بحوالي ستة آلاف فلسطيني يعملون في مزارعهم. ويرد المسؤولون الفلسطينيون، بالقول إن إسرائيل قد قمعت كل تنمية اقتصادية للفلسطينيين تقريبا في الغور الذي من الممكن أن يخلق عشرات الآلاف من فرص العمل للفلسطينيين إذا تحرر الغور من أغلال إسرائيل. وبينما يأمل بعض المستوطنين أن تضم إسرائيل غور الأردن، فإن "بنزيون" تقول إنها لن تقف في طريق السلام، حتى لو كان ذلك يعني تركها للعمل في مزرعتها. وأضافت: "سينفطر قلبي إذا غادرنا من أجل لا شيء، أما إذا كان في سبيل معاهدة سلام وخير أكبر فلن ينفطر قلبي، ولن أفكر للحظة في ترك هذا المكان إذا كان الأمر من أجل معاهدة سلام مع جيراننا، وسوف نعتز بذلك".