الجريمة هى أدق أشعة مقطعية تفضح أعماق وطن، وإذا أردت قراءة كف أمة فعليك بتفاصيل صفحة الجريمة لا مانشيتات الصفحة الأولى! وقد عاشت الإسماعيلية أسبوعاً قاسياً تكشفت تفاصيله البشعة أول أمس، جريمة اختطاف طفل عمره ست سنوات تخيلها الجميع فى بداية الأمر حدثاً عادياً عابراً سينتهى بطلب فدية ودفعها بعد مفاوضات لتخفيضها وانتهى الموضوع وقضى الأمر، لكن استيقظ هؤلاء على جريمة تفاصيلها ودلالاتها مأساوية فى طريقة تنفيذها والأعصاب الباردة المتبلدة لمنفذيها ودرجة تعليمهم التى تنفى عنهم الشبهات، قراءة دلالات هذه الكارثة ضرورية لنجيب عن سؤال مؤرق، ماذا حدث للمصريين؟، وما المخزون الاستراتيجى للبلطجية؟، فقد كنا نتنبأ دائماً أنهم سيخرجون من العشوائيات حيث الفقر يعضهم بأنيابه، لكن أن يخرج مجرم فى العشرينات طالب بكلية هندسة فى جامعة خاصة ليقود عصابة خطف وقتل فهذا يربك حسابات أساطين وأساتذة علم الاجتماع!. الطفل زياد عادل سليمان البالغ من العمر ست سنوات يلعب بدراجته فى الشارع ثم يختفى فجأة، والد الطفل رجل فاضل طيب معروف بسيرته الحسنة يمتلك هو وأشقاؤه أشهر سوبر ماركت فى المحافظة، شركاء الجريمة طالب الهندسة وصاحب محل المحمول وطالب ليسانس الآداب، استدرجوا الطفل وحبسوه فى شنطة السيارة 48 ساعة مكمم الفم بشريط لاصق فى درجة حرارة تتجاوز الأربعين بدون كسرة خبز أو بلة ريق، فتح المجرمون الشنطة فوجدوه قد فارق الحياة وملامحه البريئة تتساءل عن الذنب الذى جناه!، هل يسكتون ويتراجعون؟، هل أحسوا بذرة تأنيب ضمير أو إحساس بالذنب؟، أبداً لم يطرف لهم جفن، أكملوا خطتهم واتصلوا بالأب طالبين دفعة أولى من المليون جنيه، وصلتهم الفلوس كما طلبوا فى المكان المحدد خلف المستشفى، وكان الدليل لطمأنة الأسرة هو حذاء الطفل الذى انتزعوه من قدميه بعد إلقاء جثته فى منطقة مهجورة يطلق عليها الغابة وسط أشجارها الكثيفة الموحشة، المصيبة الأفدح أن أحد هؤلاء الشباب المجرم كان يجلس مع أسرة الطفل كل يوم يشاركهم حزنهم وحيرتهم باحثاً معهم عن طفلهم الغائب!!، زادت المكالمات وكل مكالمة من شريحة مختلفة ولكن المباحث توصلت إليهم ولكن بعد أن ودع زياد هذه الدنيا القاسية ولم يتبق من جسده المتحلل إلا ساقاه الواهنتان تنهمر عليهما دموع الأب المكلوم والأم المسكينة. تفاصيل موجعة من وطن فقد عقله وتشوه وجدانه، شباب مستريح مادياً مشكلته فقط الحقد واشمعنى وليه ما أبقاش غنى فى ثانية، متبلدو الحس لا يهتزون ولو لثانية أمام طفل خائف مرتعش مقبل على الموت، العجيب أنهم حتى لم يطبقوا أبجديات جرائم الخطف وأهمها أن تحتفظ برهينتك سليماً لأنه كنزك الحقيقى!!، الأعجب هو استمرارهم فى المساومة والفصال وطلب المزيد من الفدية بعد وفاة الطفل، المجرم مختلف والأسلوب مختلف والضحية مصيرها مختلف.. كل ما سبق يؤكد أننا أمام مجتمع مختلف بل متخلف.