ثياب وأوراق.. هذا ما تبقى ل"محمد" الذي كان يومًا "صاحب بيت" تمت إزالته قبل 28 عامًا، يد الدولة هدمت، ويد الطبيعة استلمت الرجل الذي اتخذ من حينها الشارع محلاً لعمله ومكانًا لمعيشته. لم يكن هدم البيت هو آخر الأحزان، فقد ولّت أيام العمل المستقر أيضًا، وأصبح "محمد كمال حنفي" جليس الرصيف، حيث تطارده الطبيعة بمياه الأمطار وصقيع الجو، داخل ملابسه البالية يجلس "محمد" ملفوفًا في بطانية تحميه من مياه المطر وبرودة الهواء "قاعد في الشارع عشان معنديش بيت وبنام على كرتونة وواحدة بنت حلال ادتني البطانية دي من البرد"، بحسب محمد كمال. وولد الرجل الخمسيني بين فلل وقصور حي المنيل، وعندما سكن الشارع اختار الدقي كمنطقة راقية ليجلس بين شوارعها "أنا بقعد في حالي وهنا مفيش حد بيضايقني"، برغم عدم كفاية البطانية لتدفئته يقاوم "عم محمد" البرد بالأمل المتجدد في إيجاد مأوى أو عمل "عايز الحكومة تدينى كشك أكل منه وأنام فيه"- بجسب كلامه، الرجل العجوز يعيش فريدا بعد طلاق زوجته وفقدانه ابنه الوحيد "من يوم مطلقت مراتى من عشرين سنة مشفتش ابنى ولا اعرف عنه حاجة"، "يا عجبًا لشاكٍ منه شاكر" فجسد "محمد" الضعيف الملقى فوق الرصيف يرتعش من البرد ويهرب تحت بلكونات المنازل من مياه السماء.. ولسانه يستقبل المطر "خير من ربنا لازم نقول الحمد لله"- كما قال. غفوات نوم قصيرة تقطعها لدغات البرد في جسده المنكمش، يقول "عم محمد" إنه كان يعمل عاملاً بأحد المقاهي وكان ينام بداخلها "لما البرد يزيد عليا بقعد ادعى ربنا إما ياخدني عنده أو يديني بيت يلمني"، وفقًا لمحمد حنفي.