أفضل لحظات حياتك، هي لما تقفل عليك بابك، ومطمن إن الأكل اللي في التلاجة هيكفيك لأول الشهر، وإن مش عليك فلوس تخلي حد يخبط بابك ويقولك هات اللي عليك، مقولة مصرية أصيلة. حدثني أحد المسؤولين المهمين، عن أن القناعة كنز لايفني، وأن الرضا بالقليل هو أسمى أهدافنا، أو أهدافي أنا على الأقل، وأن الصبر يقوي الإيمان، واختتم كلامه وهو يركب سيارته الفارهة ببذلته الإيطالية "أرضي يابن أدم باللي اتكتب عليك" .. ومضي وتركني وحيدًا مع دخان سيارته يداعب جيوبي الأنفية، وداعبت أنا جيوبي فما وجدت إلا علبة ثقاب فيها عودًا واحدًا، فقررت أن أشعل في نفسي لعل هناك من يهتم، فرفضت ملابسي وأعلنت موقفها الحازم في أنها سوف تتركني وتذهب لمواطن آخر إذا أشعلت النار في نفسي، فهي لاترضى أن تنتهي حياتها البائسة محترقة. جلست على الرصيف لعل هُناك من يحن إلى، ولكن لم أجد إلا أنفاسي تتحشرج، فنظرت حولي فوجدت مقهى يتابع إحدى القنوات بلهفة متابعة هدف مجدي عبدالغني، فجريت بعيدًا نحو ذكرياتي فلحقت العربة الأخيرة منها، فوجدتني أجلس متأنق في أحد "الكافيهات" المُطلة على النيل، أتحدث برشاقة لاعب جمباز إحدى الفاتنات وهي تضحك في خفوت على كلماتي، فتذكرتني وأنا مواطن سعيد كيف كانت حياتي لامعة مرتبة مطوية بعناية الغسيل. تجولت بين العربات، وجدتني مرة آخرى أجلس على مكتبي أخطط بالأقلام والورق مستقبلي، اختلست نظرة فوجدت الحياة أفضل لمواطن ناجح. فدخلت إلى دورة المياه لأغسل وجهي من البؤس، فوجدت مرأة نظرت فيها قابلت وجه مطحون، حاولت أن أنعشه وأجعله يبتسم لأن هناك شيء أفضل، فابتسم بسخرية وتركني بدون انعكاس. قررت الانتحار، فرميت نفسي فتلقفني أحد المسؤولين في أحضانه، فابتسمت، فجاءت حراسة فكبلوني، فصرخت فيهم وقولت إنني أنا المواطن الشريف، فابتسموا في سخرية، فانكسرت، فنقلوني على إحدى المستشفيات، وجاءت الممرضة وقالت بفم مملوء باللبان، إنه مواطن آخر مكسور، فضحكوا ونقلوني على عنبر المواطن المكسور.. فنظر حولي فوجدت كل من أعرفهم، ولا أعرفهم بجواري في العنبر.. فأطمن قلبي فلست وحدي مكسور.