رغم هطول الأمطار.. خبير جيولوجي يكشف أسباب تأخير فتح بوابات سد النهضة    ارتفاع كبير ب400 للجنيه.. مفاجأة في أسعار الذهب والسبائك اليوم بالصاغة (محليًا وعالميًا)    الحكومة تصدر بيانا بشأن "البنزين المغشوش" في محطات الوقود    5 مرشحين لتدريب الزمالك حال إقالة بيسيرو    مدرب سيمبا: خروج الزمالك من الكونفدرالية صدمة كبرى فهو المرشح الأول للبطولة    تشكيل إنتر ميلان المتوقع أمام برشلونة في موقعة الإياب بدوري أبطال أوروبا    إحالة سيدة احترفت سرقة متعلقات المواطنين بمدينة الشروق إلى المحاكمة    البرلمان: لا إخلاء لمستأجري الإيجار القديم قبل ضمان بدائل سكنية    موجة حارة.. بيان مهم ل الأرصاد يكشف طقس اليوم الثلاثاء 6 مايو (احذروا الشبورة)    تامر حسني ومصطفى حجاج يشعلان حفل زفاف رنا رئيس    نائب وزير السياحة والآثار تترأس الاجتماع الخامس كبار المسؤولين بمنظمة الثمانية    محافظ الغربية: لا تهاون في مخالفات البناء.. واستعدادات شاملة لعيد الأضحى    سعر الخوخ والبطيخ والفاكهة بالأسواق اليوم الثلاثاء 6 مايو 2025    مصر للطيران تلغي رحلاتها اليوم إلي بورتسودان وتوجه نداء لعملائها    هجوم عنيف بمسيرات أوكرانية يستهدف موسكو ووقف الرحلات في 3 مطارات    هل يشارك ترامب في جهود وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس؟    إسرائيل تستعد لغزة ب«عربات جدعون»    العالم بعد منتصف الليل.. سلسلة انفجارات تهز حلب.. وقصف خان يونس (فيديو)    شريف فتحي يقيم مأدبة عشاء على شرف وزراء سياحة دول D-8 بالمتحف المصري الكبير    الحوثيون يتوعدون تل أبيب برد قوي على القصف الإسرائيلي لليمن    تشمل السعودية والإمارات وقطر.. جولة لترامب بدول الخليج منتصف مايو    جوتيريش يحث الهند وباكستان على "التراجع عن حافة الهاوية" ويحذر من التصعيد العسكرى    جموع غفيرة بجنازة الشيخ سعد البريك .. و"القثردي" يطوى بعد قتله إهمالا بالسجن    وزير وفنان وطالب :مناقشات جادة عن التعليم والهوية فى «صالون القادة»    الصراع يحتدم، رد حاسم من الأزهر بشأن تشكيل لجان فتوى مشتركة مع الأوقاف    وكيل كولر يتحدث لمصراوي عن: حقيقة التقدم بشكوى ضد الأهلي.. والشرط الجزائي بالعقد    فرط في فرصة ثمينة.. جدول ترتيب الدوري الإنجليزي بعد تعادل نوتنجهام فورست    لتفادي الهبوط.. جيرونا يهزم مايوركا في الدوري الإسباني    قابيل حكما لمباراة سموحة والطلائع.. ومصطفى عثمان ل زد والاتحاد    5 أسماء مطروحة.. شوبير يكشف تطورات مدرب الأهلي الجديد    مؤتمر منظمة المرأة العربية يبحث "فرص النساء في الفضاء السيبراني و مواجهة العنف التكنولوجي"    "READY TO WORK".. مبادرة تساعد طلاب إعلام عين شمس على التخظيظ للوظيفة    رابط النماذج الاسترشادية لامتحان الرياضيات التطبيقية لطلاب الثانوية العامة 2025    مصرع طالب في حادث مروري بقنا    اليوم.. محاكمة نقاش متهم بقتل زوجته في العمرانية    التعليم توجه بإعادة تعيين الحاصلين على مؤهلات عليا أثناء الخدمة بالمدارس والمديريات التعليمية " مستند"    إيناس الدغيدي وعماد زيادة في عزاء زوج كارول سماحة.. صور    سفيرة الاتحاد الأوروبى بمهرجان أسوان لأفلام المرأة: سعاد حسنى نموذج ملهم    أصل الحكاية| ديانة المصريين القدماء.. حتحور والبقرة المقدسة بين الرمز والواقع    "كتب روشتة خارجية".. مجازاة طبيب وتمريض مستشفى أبو كبير    احترس من حصر البول طويلاً.. 9 أسباب شائعة لالتهاب المسالك البولية    10 حيل ذكية، تهدي أعصاب ست البيت قبل النوم    "كاميرا وروح" معرض تصوير فوتوغرافي لطلاب "إعلام بني سويف"    على مساحة 500 فدان.. وزير الإسكان يتابع الموقف التنفيذي ل "حدائق تلال الفسطاط"    رنا رئيس تتألق في زفاف أسطوري بالقاهرة.. من مصمم فستان الفرح؟ (صور)    4 أبراج «ما بتتخلّاش عنك».. سند حقيقي في الشدة (هل تراهم في حياتك؟)    رسميًا.. جداول امتحانات الفصل الدراسي الثاني 2025 بالجيزة (صور)    تعرف على.. جدول الشهادة الاعدادية التيرم الثاني بمحافظة القاهرة    عيار 21 الآن بعد الزيادة الجديدة.. سعر الذهب اليوم الثلاثاء 6 مايو في الصاغة    ضبط طفل تحرش بكلب في الشارع بالهرم    تطور جديد في أزمة ابن حسام عاشور.. المدرس يقلب الموازين    جاي في حادثة.. أول جراحة حوض طارئة معقدة بمستشفى بركة السبع (صور)    هل ارتداء القفازات كفاية؟.. في يومها العالمي 5 خرافات عن غسل اليدين    أمين الفتوى يوضح حكم رفع الأذان قبل دخول الوقت: له شروط وهذا الأمر لا يجوز شرعًا    الإفتاء توضح الحكم الشرعي في الاقتراض لتأدية فريضة الحج    ما حكم نسيان البسملة في قراءة الفاتحة أثناء الصلاة؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    الدكتور أحمد الرخ: الحج استدعاء إلهي ورحلة قلبية إلى بيت الله    شيخ الأزهر يستقبل والدة الطالب الأزهري محمد أحمد حسن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هو وهي
دادي حرامي

سحبتني الدادة السيريلانكية عنوة من ذراعي النحيل لتصعد بي الدرجات الرخامية لتزج بي غصبا عني داخل غرفتي وتغلق الباب بالمفتاح في الدور العلوي من قصرنا الجديد. بعدما تفهمت إشارة طانت ريري لها بأخذي بعيدا عما يدور من أحداث المشهد الدرامي الذي كنت قد تابعت أولياته في الصالون الكبير
وقت أن كان الجميع في هرج ومرج منشغلين عني بما يبديه دادي من توسلات للضباط الذين حضروا مع الصباح لأخذه معهم كي يمنحوه لحظات يغير فيها هدومه ويضع في قدميه الحذاء, وكان ساعتها لم يزل يرتدي الروب دي شامبر فوق البيجاما مع المنتوفلي.. وعندما مزقت أذني صرخة مامي ونشيج جدتي المرتفع وتأوهات طانت ريري شعرت بذروة المأساة فسارعت للنافذة لألحق في اللحظات الأخيرة بمشهد دادي يجر ساقيه في ممر الحديقة بين الضباط تجاه سيارة سوداء مرتفعة لا أدري كيف استطاع سائقها الحصول علي تصريح المرور من بوابتنا الالكترونية المحاطة بالحراسة المدججة والكلاب الشرسة المدربة.. وكأنما استشعر دادي وقوفي هناك خلف النافذة المرتفعة فاستدار برأسه متطلعا ناحيتي, لكنه لم يستطع التلويح لي كعادته فقد كانت يداه من عند الرسغين مكبلتين بالأصفاد, حتي إنه عجز أن يأخذ معه حقيبة الغيارات والساندوتشات والمهدئات والنسكافيه والغلاية الكهربائية التي أعدتها له مامي علي عجل فحملها عنه أحد الجنود حتي زجوا به وبها في باطن السيارة المسلحة التي رجعت إلي الوراء ثم استدارت لتبتعد حتي أصبحت نقطة سوداء في الأفق تثير من خلفها عاصفة من التراب تحمل دادي المتهم بسرقة أموال الشعب..
من قبلها بأيام ذهبت للمدرسة مع عودة الدراسة بعد التأجيل الطويل تبعا لنصائح الدوائر المحيطة بنا كي أمثل بوجودي في الفصل الدراسي الذي حتما لا يعرف بحكم براءته شيئا عما يدور في الخارج شاهدا علي ثقة دادي البالغة ببراءته إزاء سيل الاتهامات التي ملأت عناوين الصحف وواجهات نشرات الأخبار, ولأكون بظهوري في الصورة بمثابة الإجابة المفحمة علي الادعاءات الكاذبة التي ارتفعت مؤكدة هروبه مع أسرته وأمواله بطائرة خاصة لخارج الحدود, وتأكيدا جازما علي أنه الصابر علي الشدائد والمحن المقتنع بأن المتهم بريء حتي تثبت إدانته, وأن القانون سيد الموقف وليس سيد قراره وأنه المواطن الذي عاش وأعطي وبذل وعرق علي أرض الوطن وسوف يدفن في ثراه... وإذا ما كان كل من دادي ومامي قد تواريا خلف أسوار القصر الكبير, فقد واجهت وحدي بتكويني الهزيل وسني الصغيرة جحافل الاتهام وشهوة الانتقام ومواكب حب الاستطلاع ممثلة جميعها في مجتمع المدرسة الذي حملت عيون كل تلميذة فيه سيوفا وخناجر وسكنة عسكرية معادية, لتشير ناحيتي بحقد قد بلغ مداه وتهمس لجارتها وكأنه التخطيط السري المزمع تجاهي لمسيرة غير سلمية.. وتناثرت الشلل هنا وهناك تسدد نظراتها المحمومة لبنت الحرامي التي تجاسرت وجاءت بإثمها لتلوث طهارة المدرسة... في الفسحة قررت ألا أنزل للملعب, أو أشتري شيئا من الكانتين خاصة وأنني لم أكن أشعر بالجوع بل علي العكس بالغثيان مع اصطكاك الأسنان, ووقفت علي البسطة بين الأدوار أتطلع من نافذتها للسماء مدعية الانشغال أو انتظار إحداهن, ليندفع الطابور جميعه هابطا من خلفي متعمدا مع سبق الإصرار والترصد ضغطي للزجاج ولكزي وكأنها العفوية بمسامير الكيعان, وفي عودته بعد الجرس اكتسحني الطابور في طريقه وكأنني خواء فتشبثت بالدرابزين كطوق نجاة حتي لا تطؤني الأقدام.. لو.. لو امتدت يد واحتضنتني لتخاذلت في أحضانها خجلا ومذلة وانسحاقا.. لو استفزتني يد لأقمت معها عراكا أنشده لأنزف دمائي عن آخرها فلا خير في دماء تجري في عروقي ورثتها غصبا بحكم صلة الدم.. لو نادتني إحداهن باسمي لأعطيتها علبة مصوغاتي وجيتاري وأفلامي وملابسي كلها هدية.. لو كان الأمر بيدي لجمعت الموبايلات التي تتربص بي في الأركان لالتقاط صورتي وأشعلت فيها النار.. لو كانت صديقتي لم تتغيب لربما صنعت معها جبهة مقاومة, وقمنا بمد خيوط الحوار مع رفيقات الأمس ثائرات اليوم, لإقناعهن بأنه لا يؤخذ الأبناء بجريرة الآباء, وأنه لو خيرنا بين سكني القصر وخيمة الميدان لاخترنا أن نصبغ وجوهنا بألوان العلم وهتفنا نعم للسلام لا للانقسام.. وياريتني بنت عم سيد الجنايني أو عطية السواق أو حتي مس لطفية مدرسة الألعاب علشان أعرف أنام.. وربنا يسامحك يا دادي؟!!!
حضرت المديرة بنفسها للفصل لتصحبني إلي مكتبها فتوجست شرا فليس من عادتها ترك مكتبها لأي كائن ما كان اللهم إلا للسادة مديري المناطق التعليمية فما فوق, وما إن دخلنا حتي جلست بجواري فوق الكنبة البعيدة التي أسقطت من فوقها صورة المتنحي وبقي الجدار من تحتها شاغرا في انتظار من يملؤه لمدة أربع سنوات فقط لا غير إذا ما تم الاستماع للأصوات المرتفعة التي عانت طويلا من الثلاثين عاما وأصبح الود ودها قصورها إلي عام واحد فقط, علي أن يأتي الجديد بثلاثين ألف توقيع مؤيد من جميع المحافظات قبلي وبحري وسيناوي, وألا يكون قد انشغل في شرخ الشباب علي أرض الغربة بعشق الشقراء الأجنبية فعقد قرانه عليها علي أرض السفارة لتنجب له أبناء جدهم عن أمهم أمريكاني أو استرالي أو مالطي أو من بلاد تركب الأفيال لا الحمير مع أن القانون لا يطبق بأثر رجعي!!.. ناولتني المديرة البونبوني ومسحت علي شعري, وربتت علي وجهي فانسكبت شلالات دموعي المحبوسة فسحبت بحنان من علبة المناديل الورقية سلخة جففت لي بها الدمع الهتون, وانتظرتني حتي هدأت تماما لتوجه لي سيل أسئلتها الشغوفة بشرط الإجابة بالتفصيل الممل كي تأخذ المعلومة الصحيحة من بيتها لتصبح بين صواحباتها العليمة ببواطن الأمور والمستخبي.. سألتني ولا النائب العام عن أحوال دادي وأعصابه وتصرفاته وقراءاته ومشاهداته وتليفوناته وظروفه وجواباته, واستفسرت مني حول أطقم مجوهرات مامي وفيما إذا كان بينها تصميمات فرعونية أو فصوص ملكية, وحول قصرنا في مايوركا باسبانيا, ومزرعة الفريزيان في الريف الهولندي, وحبال وصالكم مع أبناء الدائرة, وعلاقتنا بتوشكي وشرق التفريعة وعمر أفندي, وهل صحيح إن خالي الدكتور اشتري شهادته من روما, وإن هناك خبير ماساج أجنبيا يدلك مامي ساعة الضحي في أودة الساونا, وأن عندنا تحت السرايا ممر سري, وإن دادي خلبوص قام بتهريب الفلوس, وأن رائحتنا غاز, وأن دادي قدم إقرار الذمة المالية بأن دخله من راتبه فوق الحوافز لا يتعدي الألفين وخمسمائة جنيه شهريا فقط لا غير, وإذا ما كنا خلاص قد تركنا فيللا مارينا لمبيت السواقين بعد انتقالنا لمصيف هايسندا.. وإزاء إجاباتي الساذجة التي لا تعي شيئا انتفضت المديرة واقفة لتخطو بعصبية للجلوس علي عرشها خلف المكتب هاتفة: ياللا يا شاطرة علي فصلك, هو انتي حتجيبي اللؤم من بره, هو كله عندك ماأعرفش ماأفهمش.. مؤكد إنهم مبرمجينك قبل ما تيجي, وطبعا مستحيل أقول لك انت بالذات هاتي لي ولي أمرك.. غوري من وشي.. انت لسه واقفة..
عدت إلي أشباح قصرنا أتحرك في وجوم رافعة راية العصيان حول الذهاب للمدرسة بعد الآن, وعجبت من أن أحدا لم يسألني عن يومي الدراسي الكئيب, وكأنهم علي علم مسبق بكل ما تعرضت له من مهانة وتحرش وأسئلة استفزازية في أدق شئوننا الشخصية, ومكث دادي شبه مغيب عن الجميع قابعا بذقنه النابتة أمام التليفزيون لا يغادر مقعده وعيناه معلقتان بمستطيل الشاشة تقفز ما بين الأولي ودريم والجزيرة والحرة والعربية والفرنسية والسي. إن. إن, وإذ طلبت منه بقصد إخراجه مما هو فيه أن يدير الريموت علي محطة والت ديزني لنشاهد معا فيلما لنجمة المراهقات هانا مونتانا نهرني بشدة مشيرا إلي أن هناك عشروميت تليفزيون آخر يمكنني مشاهدة فونتانتي بها, ونادي علي مامي لتأخذني بعيدا عنه, فنادت بدورها علي السيرلانكية لتأخذني بعيدا عنها.. ومن بين هتافات الشاشات علي جميع المحطات الشعب يريد إسقاط النظام كان دادي يتسلل ممتقعا من وقت لآخر ليغلق عليه باب مكتبه لنسمع أزيز ماكينة طحن الأوراق التي يجمعها بنفسه شرائط في أكياس يدخل بها حمام جناحه الخاص لتتسرب من خلف الأبواب دفقات أنفاس لها رائحة الشياط.. وكله كوم ومنظره المسبهل بعد قراءاته لرسائل الفيس بوك الهجومية في مكتبه التي خرج إلينا من إحدي غاراتها ليقول لأونكل: الواحد من كتر اللخبطة اللي حصلت له بقيت خلاص حاسس أني إنسان ليبرالي ديمقراطي تكنوقراطي راديكالي فلولي مندس ثوري ائتلافي إخوانجي متواطئ عاطل بائد مسلم مسيحي سني أرثوذكسي سلفي ماسوني بلطجي شعبي ماركسي ناصري ساداتي وطني فاسد حاقد.. حد يديني مفك عادة ومحبس حنفية وقزازة بيرة سخنة... وشعرنا جميعا بخطورة الحالة المتفاقمة وحاجة دادي العاجلة لطبيب نفساني, لكن مامي ارتأت أنه من المستحيل اللجوء الآن للدكتور أحمد عكاشة الوحيد القادر علي مداواته وذلك بعدما ظهر من خلال آرائه في جميع وسائل الإعلام عدم تعاطفه من أصله مع المتنحي وأعوانه.. ومن هنا تركنا دادي يكرر مرارا وتكرارا مراحل المشكلة التي يعانيها بقوله المتعثر: مشكلتي بدأت بعدما صحيت من النوم يوم السبت ليلة التلات بعد صلاة جمعة الصمود يعني تقريبا عالساعة تسعة الفجر قمت من النوم اتعشيت وشربت فنجان عصير ليمون وحبيت أشغل التليفزيون لقيته مش بيتنفس مع أني لسه مغير مساحات العربية وكويت الهدوم وحطيتهم في الفرن وقبل ما أصحي قلت يمكن نسيت أشحنه فريون قلت خلاص قمت اتصلت بالحلاق وقلت له التكييف بايظ والديمقراطية لها أنياب والترزي ساب القوانين وتاجر في البودرة, والدبة وقعت في البير وصاحبها فاسد وكبير, وعن اذنكم رايح أفتح التلاجة علشان جرس الباب بيرن والثعلب السحلاوي في ذيله سبع لفات وكانت بدايتها سلمية!
ولا أدري فيما إذا كان دادي سيرتدي في صور الجرائد البدلة الرمادي التي استأذن ليرتديها في ذلك الصباح التعس, والكرافتة الزرقاء التي لم يجد وقتا لعقدها, أم أنه سيكتفي مثل غيره بارتداء التريننج الأبيض, مع أنه في آخر رحلة لنا في باريس غضب من مامي لأنها اشترت له تريننج أبيض ماركة لاكوست, بل ألقي به بطول يده وسط جناح الأوتيل صارخا فيها: انت فاكراني يا ست هانم مدرب كورة أو تمرجي أو نزيل قراميدان؟! فتسللت يومها من خلفها مستفسرة عن معني قراميدان فنهرتني مشيحة بوجهها: روحي يا اختي اسألي أبوكي جته نازلة تنزله وقراميدان يزلزله.. وكأنما كانت أبواب السماء ساعتها مفتوحة أمام دعوتها فلم يمض علي عودتنا أكثر من شهر حتي قامت قيامة ثورة الشباب التي تهدد دادي مع تداعياتها بارتداء التريننج الأبيض الذي لا تتكشف من وراء القضبان عما إذا كانت ماركته لاكوست ولا أي كلام, هذا مع ملاحظة أن جميع أعضاء الفريق السابق له الجالس علي دكة الاحتياطي في انتظار إشارة التسخين للنزول إلي الملعب لملاقاة الجماهير المحتشدة جميعهم يرتدي التريننج الأبيض, وإن بدا مزموما حول محيط كرش البعض, ولدي البعض الآخر لا تغطي رجل البنطلون فيه دوران الكواحل!!
ليس من السهل هذه الأيام إقناعي بالنوم.. أنام بعين وأصحو بأخري وأعلن عجزي عن سماع المزيد حول دادي, وليس أمامي سوي الانتظار وعلي دادي أيضا الانتظار حتي لو جاء الحكم مؤبدا, أن ينتظر لحظة الإفراج, وكل ما يفعله بين ساعة دخوله سجينا وساعة خروجه طليقا أن ينتظر, ينتظر الليل إذا جاء النهار, وينتظر الغروب حتي تشرق الشمس, انتظار يتكفل الزمن بتغيير طعمه ولونه, حتي ليؤديه الإنسان بلا ملل, وإنما باستسلام تام للانتظار, وخضوع مطلق له.. أتسلل هاربة من كل شيء إلي السطح المظلم, فأشعر بجثة الليل ثقيلة فوق أكتافي, وجثة القمر تجثم فوق صدري وكأن قلبي يبكي.. كل صغيرة وكبيرة من حولي تنتحب في أذني.. دولاب دادي المزدحم يبكي.. تبكي ساعته الماسية.. تبكي فرشاة أسنانه.. تبكي اللوحات والمرايا وأجهزة التكييف وأصابع البيانو.. تبكي صورة زفافه التي يقف فيها نقيا رشيقا أنيقا واعدا بجوار أمي.. تبكي شهادته التي نالها عن جدارة في شرخ الشباب.. يبكي دفتر مذكرات غاب عن عينيه طويلا كتب في افتتاحيته حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم: إياكم وأبواب السلطان وقول ابن مسعود يدخل الرجل علي السلطان ومعه دينه, فيخرج وما معه دينه فسئل كيف ذاك يا أبا عبدالرحمن؟ فأجاب: يرضيه بما يسخط الله فيه وعن علي بن أبي طالب قوله: الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ويتبعوا السلطان, فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم.. ولا أمان للدهر إن صفا ولا أمان للسلطان وإن قرب منك.. أبكي لأن دادي نسي دفتره وتبع السلطان.
من بعد فيللا الكومباوند في القطامية التي أهداها دادي لمامي ليصالحها بها بعدما وصلت إليها أخبار مؤكدة عن ارتباطه العرفي بالمطربة اللبنانية الشقراء أثناء سفرها لأمريكا لتضعني هناك لضمان حصولي علي الجنسية التي يشق بها أرض المطارات كما السكين في الزبد, وأمام إصرارها علي طلب الطلاق لجأ دادي للوسطاء ذوي النفوذ الذين حكموا بطرد المطربة خارج البلاد بتلفيق تهمة أمنية لها, لتظل مامي بعدها متشائمة من الفيللا ومن محيط جيران الكومباوند الحاسدين والمتابعين لها في الرايحة والجاية, ومن هنا انتقلنا للقصر الجديد علي تل عالي ليشرف بموقعه الفريد قرب السماء علي الناس اللي تحت.. يقودني ليل الخطي لأجنحة المطابخ الصامتة التي كانت في ماضيها القريب خلية نحل واستعدادات وتجهيزات ومهام نحر وسلخ وحشو ورص وصواني وزجاجات وكاسات وفوط ملفوفة بالبخار وولائم فاخرة كل كرسي فيها أمامه بطاقة الضيف, حيث يحرص بروتوكول الجلوس علي تناسق الجوار بحجم المساهمة في آليات السوق, فصاحب القصر دادي إلي جانب أنه معالي رجل الأعمال الوزير نجم اقتصادي كبير, ومامي هي الأخري عضوة ذات فعالية داخل السلك نفسه بعد ابتداعها مشروعاتها الخاصة في بيع الأراضي والفيللات التي تعتمد فيها علي دوائر اقتصادية نسائية صاحباتها لهن نشاطات أخري في عملية الاستيراد والتصدير.. في كل شيء.. من نمر العربيات, لشواحن الموبايلات, لشنابر النظارات, لملاءات المستشفيات, لطراطير طهاة اللوكاندات, إلي أكثر البضائع ربحا وهو قطاع الإكسسوارات, حيث تنزع الماركات الأجنبية لتثبيت البطاقة الوطنية صنع في مصر مع الاحتفاظ بحق التفاهم الجانبي في مسألة السعر الحقيقي بالآلاف الذي تستوعبه جيدا زبونة المحل عندما تأتي علي وجه السرعة بمجرد الاستدعاء لتلحق قبل مشيرة وعنايات بنزع وش اللبن, لتحمل في يدها وحدها في ربوع مصر جميعها الشنطة الوحيدة الفريدة القادمة من فالنتينو, وتهز ساقها وحدها بالحذاء السواريه الفرينيه القادم من باريس علي متن الطائرة الخاصة بماركة كارتييه..
في ساعات متأخرة من الليل بعد الهدوء الظاهري قبل حظر التجوال يبدأ طنين الحضور المشبع بأبهة عربات منسابة كأنها راقصات البولشوي تفتح وتغلق أبوابها الثقيلة بخبطة لها طابع الكتمة فتدرك عن بعد أن الشوفير خلاص قد قام بواجب الالتفاف ليساعد المدام وفستانها علي الانزلاق يتبعها البيه المحفلط في شرف المغادرة الميمونة للقصر المنيف, ورغم شوق التلاقي تطير باقات القبل في الهواء حتي لا تفسد الملامسة طبقات الماكياج ولمعة الروج في اكتناز الشفاه المتضخمة إغراء بفعل حقن البوتكس.. في الردهة الرخام المزججة بالمرايا الهندسية تحت سقف سرة الكريستال يستقبل دادي ضيفات القصر اللاتي يصعرن له خدودهن فيوقع بقبلته المداهنة المداعبة لتنزلق تجاه طريق الشفاه.. ووراء كل واحدة يستدير ليلفها في حضنه لينضو عنها فراؤها فيتبدي عريها واضحا بسلسلة فقرية تصل للقطنية ومن الأمام تبسط الخريطة ليظهر جليا شارع بين النهدين الموصل لسرة الميدان, وعلي بعد خطوة في السهرات الباردة يقف عم عبده السفرجي بحزامه الناري وقفطانه اللامع يتلقي قطع الفراء الثمين بموديلات الإيتول الفيزون والترواكار المنك والماكسي الاستراكان لتستلقي جميعها في غرفة جانبية تغدو في دقائق مسرحا لحيوانات الغاب وجبال الثلوج.. المدعوون الرجال بدورهم يقومون لحظة وصولهم بتقديم فروض ولائهم لمامي المضيفة, ولا أدري بماذا يهمس لها كل منهم في سلامه الذي يصل لموقع الآذان لكي تموء منتشية بصليل واهتزازات وترديدات لزوم حفل العشاء: ميل مرسيه يا محسن بك.. يخرب عقلك يا شوكت بيه.. طول عمرك مجامل يا باشا.. تسلم لي عيونك يا برهومة.. برضه جايب لي مراتك يا مدحت؟! واحشاني موت يا روحي... سلم علي جوزي وقول له بقين ينفخوه ويخلوه طاووس نافش ريشه.. جبت معاك الشيك.. إذا ما أنا انسحبت من غير ما أحد يحس بي ادخل من بعدي التراس.. عليك بالدهل اللي وراك.. أهلا يا معالي الوزير.. شرفت يا سيادة السفير.. منور يا كاتبنا الكبير.. البيه المستشار عندنا يا مرحبا يا مرحبا.. هاللو يا روحي تسلم لي عيونك.. هلت علينا شمس الوزارة وقمر مارينا ونجم اللسان وفارس مدينتي وملك الحديد.. لاعبني وألاعبك يا زعيم.. يا تاخدني يا أرجعك.. فيكم لأخفيكم... سقعها وبعها أصلها حرانة.. تفوت علي الصحراء تخضر.. فينا ولا رحت بعيد.. البلد دي أحسن من غيرها.. نقسم البلد نصين.. أنا ضابطهولك ع الموجة.. إشارتك خضرة يا محمد بك.. ماعنديش خطوط حمراء.. يا جامد.. اديني سكة وخدلك ألف فدان!.. دي كلها رمل!.. ميل علي صاحبك يشق لك فيها ترعة.. يا حبيبي شخشخ جيبك.. مكرم عبيد كله من غير رخص.. اعتبرني يا سيدي عشوائية..
دادي وزير صورته في عيوني مثال للتوتر, يجلس بيننا بلا استرخاء علي طراطيف أصابعه يربت علي رقبته ويشد شعرات من حاجبه وشنبه وأنفه ويمسح جبهته رايح جاي, ويكشر بلا داع ويبتسم بلا وعي, ويبصق شيئا مبهما علي طرف لسانه ليس موجودا من الأصل, ويداعب تفاحة آدم وكأنه يخطط لبترها, ويضم في أحضانه أكبر منافس له وكأنه يريد ابتلاعه, ويقسم أمامه وأمامنا أنه في منزلة الأخ الحبيب.. يتحرك وفي خلفيته حقيبة الأوراق, ويبلغنا موعد حضوره للغداء أو العشاء أو المبيت في الخارج عن طريق السكرتيرة, ويخرج وسط الليل عنده اجتماع, ويسافر مع الفجر للوقوف في طابور تشريفة الاستقبال, ويضع الموبايل في جيب البدلة والروب والبيجامة وعلي المائدة, وفي الحمام يأخذ معه قوائم حسابات البنوك والقروض والمنح والهبات والتشهيلات والتسهيلات والمخصصات لمراجعتها, ويدون أرقاما يتذكرها فجأة فيكتبها علي مفرش السفرة أو علي غطاء علبة الدواء.. وكل إنسان عنده له ثمن.. تمسحت به مرة فشعر بوجودي فأجلسني علي ركبتيه, وانشغل عني في حديث تليفوني أنهاه مع الطرف الآخر بدفقة سرور بالغ قائلا لي إن وشي حلو عليه, وإني أساوي عنده في هذه اللحظة عشرين مليار وأكثر, فسألته يعني كام عشرة جنيه؟! فعاد لاحتضاني قائلا: ماتعديش.. اللي يعد يتعب في البلد دي!!
من بعد ما أخذوا دادي مني في ذلك الصباح حضر للقصر ناس فلاحون علي وجوههم لهفة وفي عيونهم إطلالة دموع يسألون عن آخر الأخبار وأتعاب المحامين.. ورقابتنا سدادة.. نساء بلا طلاء بجلاليب سوداء رائحتهن من الأرياف تهت في أحضانهن.. ابن عمتك يا ضنايا وبنت خال والدك.. تعالي يا نضري سلمي يا بنت الغالي علي خالتك أم سماعين.. بنتها شقيقة أبوك في الرضاعة.. والواد الصغير ده يبقي أبوك في مقام جده.. ربنا يفك ضيقته ويظهر براءته وما ضاقت إلا ما فرجت وأقرب من فرجه مافيش.... قرأت اسم دادي تحت صورته في الصفحة الأولي.. دادي حرامي.. مامي نوت تعمل عمرة وتغطي راسها.. مامي قالت لأونكل حكيم: أرجوك كفاية وفود من البلد البنت مش ناقصة اكتئاب ولا حتي أنا, وإن كان ولابد سافر لهم بنفسك يا حكيم وفرق عليهم فلوس صدقة عنا كلنا.. وكله بثوابه.. والمهم قبل ده وده لقيتو له محامي؟!!
[email protected]
المزيد من مقالات سناء البيسى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.