لو سألت أى إنسان كائنا من كان، ابتداءً من أكبر مسئول إلى أقل مسئول يعيش على أرض هذا الوطن عن حال البلد فى هذه الأيام، لأجابك على الفور إنه غير راض عنها، فمظاهرات هنا وهناك وقطع الطرق تعج بها المحافظات وفتن طائفية ما بين قتل وهرج ومرج على أرض هذا الوطن ولى ذراع الوطن والعبث بهيبته والإضرابات والامتناع عن العمل بما يعوق حركة الإنتاج وانتشار السلاح فى كل مكان، والبلطجة أصبحت سلعة رائجة فى بلدنا ناهيك عن قتل جنودنا وذبحهم ذبح الخراف على حدودنا فى سيناء واستباحة دمائهم -وليست هذه هى المرة الأولى- بما يقصم ظهر وهيبة الدولة التى ينبغى أن تكون قائمة، أياً كان النظام -بغض النظر عن نظام الحكم القائم- فما قيمة الديمقراطية، إذا فقدت الدولة هيبتها، فوطننا -الآن- يمر بسيل من العلل والمحن والدولة تضج بالفوضى فى كافة أرجائها؛ لكن السؤال المنطقى: أين الخلل؟ والجواب: الخلل فى عدم صدق الانتماء لهذا الوطن والأنانية وحب الذات وتقديم المجد الشخصى على مجد الوطن، فالانتماء ليس مجرد كلام، وإنما سلوك مفاده ماذا قدمت لهذا الوطن، فما بنى المصريون السد العالى ب360 مليون جنيه فقط -وهو ثمن عمارة كبيرة- إلا بصدق الانتماء وحب هذا الوطن ولم تسجل حالة سرقة واحدة فى 67 ولا 73، مع أن البلد كان فى حرب؛ لكنه صدق الانتماء وما امتنع المصريون عن عمل كعك العيد فى 73 -لأن جنودنا كانوا يقاتلون على الجبهة دفاعا عن الوطن- إلا بصدق الانتماء؛ لكن الخلل الحاص الآن فى جسد وطننا الحبيب هو فى تغييب ثقافة الانتماء وماذا يعنى حب الوطن لقد ذكرت جريدة الأهرام منذ عدة سنوات خبرا مفاده أن 20% من الطلاب فى إنجلترا وقعوا على وثيقة يشكون فيها من سهولة الامتحانات؛ لأن هذا يشعرهم بعدم القيمة، لكن عندنا إذا كان السؤال صعبا تقوم الدنيا وتقعد لحذف هذا السؤال وتكون النتيجة 101% ولكن بلا قيمة إن صدق الانتماء هو الذى دفع شابا يابانيا كان قد ذهب إلى أوروبا للحصول على الدكتوراة فنحى مجده الشخصى جانبا (رسالة الدكتوراة) وأخذ يتعلم على المحركات وكان يخدم العمال فى مصنع صهر الحديد والنحاس والألومونيوم ليتعلم ويقول مع إننى كنت من عائلة ساموراى (ومصطلح ساموراى كان يشير إلى الحرس الإمبراطورى فى اليابان) ولكن كل هذا يهون من أجل اليابان واستطاع بالفعل أن يصنع محركا يابانيا خالصا جعل إمبراطور اليابان ميكادو ينحنى له تحية وتقديرا عندما سمع هدير المحرك وكان عاليا، وقال ميكادو: هذه أعزب موسيقى سمعتها فى حياتى لصوت محرك يابانى خالص، الآن غزونا أوروبا، نعم، إنه صدق الانتماء للوطن الذى جعل من اليابان المنهزمة والمنكسرة والمحطمة بعد الحرب العالمية الثانية واحدة من أكبر الإمبراطوريات الاقتصادية فى العالم، إن أحد الكتاب العالميين قال، أرسلت اليابان بعثات إلى أوروبا وأرسل العرب بعثات إلى أوروبا فى نفس التوقيت، فتقدمت اليابان وما زال العرب يركبون ظهر السلحفاء، فأنا أقول: يا ترى ما السر فى ذلك والجواب هو ضعف الانتماء عندنا، إننا نحتاج إلى مشروع وطنى نلتف حوله جميعا، فلن يستقيم بنيان الدولة ولا أركانها إلا بصدق الانتماء لهذا الوطن والعمل الجاد وأن تتحول الثورة إلى ثورة عملية فى شتى المجالات ونلفظ حالة التربص لبعضنا بعضاً التى نحياها صباح مساء وأن نقدم مجد الوطن على مجدنا الشخصى ووقتها نسأل عن اكتمال البنيان ندعو الله -سبحانه- أن تكون القرارات الأخيرة للرئيس لها إسهاماتها فى علاج ما أسلفناه من مواطن الخلل.