الدكتور عبدالقادر حاتم »الأب الروحي للإعلاميين« في مصر والعالم العربي هو رئيس جمعية الصداقة المصرية اليابانية، وقام بحوالي عشر زيارات لليابان، وقابل أكثر من خمسة رؤساء وزراء هناك، وحاصل علي وسام »الشمس المشرقة« أعلي وسام يمنح لأجنبي، وتربطه صداقة قوية بإمبراطورها. وعلي ضوء هذا كله قدم التجربة اليابانية الناجحة بكل تجرد وصدق، روري أسرار تقدمها، وقدم قصة شعب استطاع أن يحذف كلمة (مستحيل) من قاموسه، ورغم تعرضه لأسوأ هزيمة عسكرية في التاريخ الحديث استطاع في فترة زمنية لاتتجاوز الأربعين عاما (5491 5891) أن يصنع ماتعجز عنه الأمم في مئات السنين! استطاعت اليابان بعزيمة شعبها أن تعيد بناءها أفضل ماكانت عليه، وبصورة أذهلت العالم، وجعلته يحني قامته احتراما وإعجابا بما أحرزته من تقدم (ولازالت تحرزه) في شتي المجالات. وما أحوجنا أن ننظر بعمق وجدية إلي هذه التجربة ونتعلم منها، ونأخذ في مصر ما يصلح لبلادنا ويناسب ظروفنا ويلائم واقعنا مهما بعدت المسافة بيننا وبينها. لقد حرمت الطبيعة اليابان من مصادر الثروة الطبيعية، ولكنها في نفس الوقت حبتها بثروة بشرية جعلت منها القوة الاقتصادية في العالم الرأسمالي! وسر تقدم اليابان يكمن في عناصر مختلفة كلها يكمل بعضه بعضا، ولقدطرح الدكتور محمد عبدالقادر حاتم هذا السؤال عن سر تقدمها علي أكثر من خمسة رؤساء وزراء، وكبار المخططين، وعدد كبير من الخبراء، فاشترك الكثيرون في أن عناصر التقدم هي : التعليم ، الإدارة، الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، تاريخ وتقاليد وثقافة اليابان (إحياء فكرة اليابان العظمي أو اليابان الأمة المقدسة التي جاءت من نسل آلهة الشمس)، المرأة اليابانية، دولة لاتعتمد علي القوة الحربية والصناعات الصغيرة والعملاقة، المساواة بين أفراد الشعب ووحدة المجتمع، الانتماء والولاء، تقييم مستمر للتجارب، استطلاعات مستمرة للرأي العام حتي تساير السياسة متطلبات واحتياجات الشعب، التصدير أولا، الادخار، الإنتاجية اليابانية، الترابط الأسري والتعاون بين الجميع وروح الفريق في كل عمل، أسلوب أخذ القرار، عدم الدخول في مشاكل العالم وعدم ضياع وقت المسئولين فيها، المشاركة الشعبية، استخدام الأساليب التكنولوجية الحديثة بالتقليد والابتكار، ثم المجتمع التنافسي.. بمعني أن الجميع يتنافسون من أجل الأفضل. تلك هي الأسباب لتقدم اليابان.. وهي البذور القوية لنشأة المعجزة اليابانية، وهناك (مثل) ياباني يقول: »إن الشجرة لاتستمد قوتها إلا من قوة بذورها«! والشعب الياباني شعب فريد.. مساحة أرضه ثلث مساحة جمهورية مصر العربية، وعدد سكانه 125 مليون نسمة، وينتج مايكفيه من الغذاء الشعبي (الأرز)، ويصدر الفائض منه للخارج، شعب كان لايملك إلا الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية، ولايملك أي موارد طبيعية، وبهر العالم بقوته الاقتصادية، كان يتعلم من الصين فأصبح معلما لها، وشعب دمر نهائيا بعد الحرب العالمية الثانية فأصبح دخل الفرد فيه أعلي دخل في العالم، والحيازة الزراعية حسب قوانين الإصلاح الزراعي الياباني لاتزيد علي 12 فدانا، فاستفاد من كل شبر للإنتاج، حتي في الحدائق الخاصة تجد مزارع الأسماك! شعب غزا العالم كله بالصناعات اليابانية، فلا يخلو بيت في كثير من الدول من منتج ياباني يحمل عبارة: (صنع في اليابان)، وهو شعب غير مسلح ويرفض التسليح، ويؤمن بالسلام، ولكن الفرد فيه يتبع طريقة »إلهاريكاري« لينتحر بالسيف أو السكين حينما يشعر أنه قد أساء إلي وطنه أو أخل بواجبه! وقصة مدير شركة الطيران اليابانية عام 1985 أوضح دليل علي ذلك، فلقد سقطت إحدي طائرات شركته، وهو حادث ليس مسئولا عنه، ولكنه في اعتقاده سبب ضررا للوطن بموت ركابه أبناء الشعب في الطائرة، ومن ثم انتحر الرجل تحقيقا لمبدأ المحارب »ساموراي«: إذا ضاع الشرف فما أحلي الموت.. ما الموت إلا الخلاص من العار!!! شعب يري كل اختراع ويقلده، ثم ينتج أحسن منه، وشعب كاد يتجمد نشاطه بعد حرب 1973 بسبب أزمة الطاقة فقام بترشيد الإنتاج، وفي عام 1983 زاد الإنتاج حيت أصبح لدي اليابان من 60 إلي 90 يوما احتياطيا من البترول! وشعب قال عنه الجنرال »ماك أرثر« قائد الاحتلال الأمريكي بعد الحرب العالمية الثانية إنه شعب لايستحق الحياة، ولكن بعد أن عاش مع هذا الشعب، وحاول شاب ياباني اغتياله وجرحه في ساقه، وامتزج دم الياباني مع دم ماك أرثر نتيجة الصدام، قال الثاني: إنني سعيد بأن دمي اختلط بالدم الياباني!! ليتنا ندرس التجربة اليابانية بكل جدية، ونلتمس حقائقها وعواملها المختلفة، لنعرف أسباب تقدمها أكثر ونستفيد منها في مصر علي ضوء الظروف الراهنة الحاسمة التي تمر بها بلادنا!!