«قصة الألم» تعيد سيرتها الأولى كأننا لم نكتشف زيف أحداثها وخداع أصحابها. «قصة الألم» تطرق على نفس الآذان التى خُدعت، وتسرح بنفس العقول التى فهمت، وتخطف نفس العيون التى رأت». جماعة الإخوان «تعود إلى الرواية الخادعة عن معاناتها وآلامها. المدهش أنها تستخدم نفس الأساليب فى استدرار العطف فتجد من يصدقها ويتعاطف معها. تجد الجماعة من يتعاطف معها، رغم أن تاريخها مشيّد على أطنان من الأكاذيب وتلال من الخدع. استثمرت آلام فتيات الإسكندرية إعلامياً وإنسانياً حين صدر ضدهن حكم «أول درجة». ضغطت الجماعة على مشاعر المصريين بعد «حكم أولىّ»، فتعاطف الشارع مع الفتيات وصب غضبه على القضاء دون انتظار لحكم «ثانى درجة». «قصة الألم» جعلت الجماعة بديلاً «سريعاً» عن حزب الأغلبية فى نظام مبارك. كان طبيعياً أن يقفز الإخوان إلى قلب الواجهة لأسباب عدة. الجماعة كانت تصنّف نفسها فى خانة «المعارض الأول» للنظام الحاكم وتقدم نفسها على أنها من ضحاياه. استثمرت الجماعة «آلامها الكاذبة» التى ظلت لسنوات تروّج لها، وتبرزها باعتبارها «قصة كفاح». نعرف أن سقوط أى نظام يأتى بالضرورة بالمعارضة بديلاً، حتى لو كانت هذه المعارضة شريكاً للنظام الساقط أو أكثر سوءاً وفساداً منه. هذا هو العيب الأكبر للثورات الشعبية، لأنها لا تأتى غالباً بالأفضل أو بمن صنعوها ليحكموا، إنما تأتى بالبديل الجاهز، الذى كان يتحين الفرصة، لينقض على الحكم. كان الإخوان يصدّرون معاناتهم وآلامهم مع نظام يرونه «بغى وطغى»، ونجحوا فى ذلك تماماً، مع أنك لو دققت جيداً لوجدت الجماعة ونظام مبارك وجهان لنظام واحد. الجماعة اعتمدت مع نظام مبارك مبدأ «الأخذ والعطاء». الإخوان عاشوا طويلاً تحت سحر «قصة الألم»، وبها حصلوا على الدولة المصرية عن طيب خاطر الشعب. الإخوان أسهبوا بشكل مفرط فى «قصة الألم» وتعرضهم للظلم والتعذيب طوال ما يزيد على 85 عاماً، مع أن كل معاناتهم -إن كانوا قد عانوا- لا تُذكر أمام معاناة بقية أفراد الشعب: «لاحظ ثراء معظم قادة الجماعة والذين تكونت ثرواتهم الطائلة فى عهد مبارك»، بل إن الشعب عانى كثيراً جداً من وجود الجماعة فى حياته. نجحت الجماعة فى الوصول إلى قمة السلطة وفقاً لهذا السيناريو، وليس وفقاً لبرنامج سياسى أو رؤى مستقبلية. الآن عاد الإخوان إلى النغمة نفسها. خلفهم يلهث الإعلام ووراءهم طابور من الجنازات. عادت إلى شق الجيوب ولطم الخدود حتى يبكى من كان لا يصدق «قصة الألم». نجحت الجماعة حين جرجرت خلفها إعلاماً باهتاً وصحافة مترددة. كانت الغالبية الغالبة من المصريين -قبل 30 يونيو- يرفضون ممارسات وسياسات الجماعة حتى خسرت الجماعة كل ما صنعت من تعاطف. خسرت الجماعة تعاطف البسطاء معها وكسبت كراهية أغلب المجتمع. الجماعة عرفت ذلك وخبرت المزاج المصرى جيداً، فبدأت محاولات مخططة لاستعادة التعاطف مع فض «رابعة والنهضة»، لكنها لم تنجح بالصورة التى ترجوها أو تتمناها. لم تيأس واعتمدت على «الجزيرة» فى تقديم «حكايات» عن معاناة معتقل، أو حزن عائلة مات صغيرها، أو مأساة أم تبحث عن بكريها المفقود. «قصص وحكايات الإخوان» علت على واقع رآه الناس بأم أعينهم. جريمة كرداسة والتمثيل بجثث الضباط والتبول عليهم، واقعة مصوّرة كانت كفيلة بأن تقضى على أى جماعة وتجرّم وجودها فى أى مجتمع. جريمتا قتل جنود عزل أثناء إجازاتهم وتصويرهم بعد تقييدهم من وراء ظهورهم تكفيان لأن نكره الجماعة لمائة سنة على الأقل. الجماعة -بفضل جهل الإعلام- استعادت قدراً من التعاطف فى واقعة حبس فتيات الإسكندرية، فهل تستعيد تعاطفاً كبيراً مع تصوير جرائمها على أنها فعل الدولة؟ ثم لماذا لا يصدق بعض الناس أن فى مظاهرات الجماعة من يحمل سلاحاً ويقتل، فتذهب التهمة فى اتجاه آخر؟