«عشنا يوماً أسود»، بهذه العبارة بدأ أقباط قرية نزلة البدرمان التابعة لمركز ديرمواس جنوبالمنيا، فى التحدث ل«الوطن» عن تفاصيل الهجمة الشرسة التى تعرضوا لها إثر اتهام شاب مسيحى بوجود علاقة بينه وبين فتاة مسلمة، وأسفرت عن مقتل شاب بالقرية وإصابة 10 آخرين، بينما حُرق 11 منزلاً ومحلاً تجارياً. يقول جمال منير، سائق ومقيم بالعزبة: «فوجئت يوم الجمعة بوجود خلاف بين المسلمين والمسيحيين، وفجأة وجدنا عشرات الصبية يهاجمون منزلنا، وأشعلوا النيران فى منزلى واعتدوا علىّ بالضرب وبعثروا أثاث منزلى، وجوار منزلى تقيم سيدة عجوز ومشلولة استنجدت بى، وحين حاولت إنقاذها، اعتدى الصبية علىّ وعليها بالضرب». تصف عزيزة لمعى الحادث، وتقول إنها تقيم مع بناتها الست، ويوم الجمعة اقتحم بعض الصبية منزلها وحاولوا الاعتداء عليها وتحرشوا ببناتها، فصرخن واستنجدن بالجيران الذين تدخلوا لإنقاذهن. ويروى ميلاد أنيس، مدير بنك بالمعاش، أن مجهولين هاجموا المنزل وستديو تصوير نجله، وسلبوا محتوياته، وفروا هاربين، مضيفاً: «نمى إلى علمى أن شاباً مسيحياً يقيم بالقاهرة لجأت إليه فتاة مسلمة، وسافرت إليه فى القاهرة ورفض استقبالها، وعلى خلفية ذلك اعتدت أسرتها على الأهالى من المسيحيين وأحرقوا منازلهم واستولوا على كل ما بداخلها». يقول الشاب مجدى فوزى، ليسانس آداب: «كنا موجودين بالمنازل وخرجنا على أصوات صراخ الأطفال والنساء وصعدنا فوق أسطح المنازل فوجدنا اللهيب والدخان يتصاعد بكثافة، فى نفس الوقت كانت هناك أعمال عنف ونهب وتخريب بأماكن متفرقة بالقرية، وشاهدنا من فوق الأسطح فتح باب مدرسة الفاروق وخروج العشرات بزجاجات المولوتوف والحجارة، ورشقوا بيوت ومنازل المسيحيين الملاصقين لها، وعلى أثر ذلك نشبت النيران بأكثر من منزل وانفجرت أسطوانة غاز بأحد المنازل بسبب شدة اللهب وتصاعده، حتى إن سقفاً مسلحاً بمنزل ناشد يوسف، سقط من النيران وشدتها». يضيف مجدى أن بين الذين احترقت منازلهم سعيد ناجى وبشرى فوزى وسمير مجدى ونادر أنيس وميلاد أنيس، فضلاً عن تهشيم وتكسير وسلب بعض المنازل، موجهاً عتابه للشرطة، قائلاً: «ألوم على رجال الشرطة لأنهم تلقوا استغاثات كثيرة من الأهالى وكانت تحركاتهم بطيئة ولا تتناسب مع حجم الحدث، كما أن سيارات المطافى حضرت متأخرة وكان عددها قليلاً جداً». يؤكد مجدى أن الجيران الشرفاء من المسلمين كانوا يبذلون ما فى وسعهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ومساعدة إخوتهم المسيحيين فى إخماد الحرائق التى ظلت مشتعلة 5 ساعات متواصلة فضلاً عن تعرض كثير من السيدات والبنات إلى التحرش والإصابة، مضيفاً: «الجرأة وصلت بالمخربين إلى إلقاء طفلة تُدعى إيفون بشرى (14 سنة) من الطابق الثانى ما أسفر عن إصابتها، كما سرقوا بعض المواشى والحيوانات من المنازل». وتابع: «الغريب أن أبواب المدرسة التى استُخدمت لرشق منازل المسيحيين جرى فتحها يوم الجمعة، يوم الإجازة، الأمر الذى يثير علامات استفهام كثيرة». من جانبه، يقول يحيى الدقيشى، من مسلمى القرية، إن الموقع الجغرافى لمنزله يقع وسط منازل إخوته المسيحيين وتربطه بهم صلة تربية، لدرجة أن السيدة «أم فوزى» رحمها الله، وهى مسيحية، رعته منذ أن كان طفلاً. وعن الواقعة التى شهدتها القرية قال: «فوجئنا فى تمام الساعة الحادية عشرة والنصف صباح الجمعة، بتجمع عدد كبير من الصبية والشباب تتراوح أعمارهم بين 10 و25 سنة، وتجمعوا على الكوبرى المؤدى للشارع الذى يقيم به معظم أقباط القرية، ويبعد نحو 2 كيلومتر عن منطقة الأحداث، وفور خروجنا من المسجد عقب صلاة الجمعة، رشق عشرات الصبية منازل إخوتنا المسيحيين بالطوب والحجارة ومن الطبيعى أن نتدخل دون أن يطلب منا الأقباط ذلك، لأننا إخوة». يضيف يحيى: «تعاملنا مع أشخاص أول مرة نشاهدهم بالقرية، ومن الواضح أنهم كانوا يتعاطون مواد مخدرة وكانوا مغيبين تقريباً، وحاولنا بقدر الإمكان استخدام العصى لتفريقهم حتى إننى تعرضت لإصابة أثناء محاولات منع سير الأحداث، وبدأت أعمال كر وفر فى الشوارع حتى جرت السيطرة على الموقف قدر المستطاع». يتابع: «سبب الأحداث إشاعة مغرضة من بعض الذين ينفخون فى النار ويتاجرون بالأزمات، وافتعلوا أزمة مفادها أن فتاة مسلمة هربت بصحبة شباب مسيحيين، إلا أن أصل الواقعة يكمن فى أن الفتاة جرى تضليلها وهى ليست على المستوى الكافى من التعليم والثقافة، وخرجت من القرية بمفردها إلى مدينة ملوى ثم إلى القاهرة وفوجئنا بها بصحبة أقاربها تعود مساء نفس اليوم، وتدخّل عمدة القرية صابر موسى وأبلغ الشرطة بالواقعة، وجرى اتخاذ الإجراءات القانونية حيال ذلك، وجرى عرض الفتاة على الطب الشرعى بمعرفة نيابة ديرمواس وثبتت عذريتها». يضيف: «عادت الفتاة إلى القرية واحتفل بها أهلها ثم فوجئنا فى اليوم الثانى بشخص يُدعى حمادة صابر وآخرين يذهبون إلى منزل الإخوة المسيحيين أطراف المشكلة بمفردهم دون أن يحملوا أى أسلحة، وعقب ذلك علمنا بإطلاق النار من خفير نظامى يُدعى نبيل من فوق سطح منزله بالبندقية الميرى عهدته، وهى ماركة 5 خرطوش، وأصيب حمادة صابر إصابة قاتلة فى الرأس أودت بحياته وأصيب أشخاص آخرون برفقته وهم حالياً بمستشفى أسيوط الجامعى». ويشير يحيى إلى تطور الأحداث سريعاً فى مساء نفس اليوم بعد خبر وفاة حمادة صابر.. وأصبحت الأجواء مهيأة لدعاة الفتنة لينالوا من قرية نزلة البدرمان الهادئة الآمنة، يقول: «على الرغم من توالى الأحداث السابقة التى مرت بها المنطقة، فإن رجال وشيوخ ومسيحيى القرية وقفوا على قلب رجل واحد بعيداً عن الخلافات السياسية التى حاول البعض استغلالها للزج بالقرية فى براثن الفتنة، ولكن الله سلّم، وما هى إلا أيام قليلة بعد أحداث دلجا التى تبعد عنا 7 كيلومترات، وتربطنا بعائلاتها صلات نسب وقرابة، حتى فوجئنا بتطور الأحداث بشكل سريع بقريتنا، ووجدنا أحداث الحرق والسلب والنهب، حتى صدمنا نحن وكثيرون من العائلات من الواقعة التى تركت أثراً سلبياً بين المسلمين قبل المسيحيين». ولفت إلى أن هذه الأحداث ليست دينية أو طائفية وإنما تقع تحت وصف الأحداث الإجرامية، لأنه لا يوجد داع لأن تحدث مشكلة فى «العزبة» المجاورة، يعاقب على أثرها مواطنون أبرياء ليس لهم أى ذنب أو صلة قرابة بأصحاب المشكلة التى أثارت الأحداث، إلا أن الانتهازية من أصحاب العقول الضعيفة حاولت الصيد فى الماء العكر، ولكن عقلاء القرية من المسلمين والمسيحيين متماسكون وقادرون على تخطى الأحداث، كما أن الأحداث جرت على نطاق شارع واحد بالقرية، بدليل أن قرية البدرمان المجاورة لها، وهى مسقط رأس اللواء مصطفى توفيق مساعد وزير الداخلية السابق، أمّنت على الفور كنائس البدرمان ومداخل منازل الإخوة المسيحيين، بالاستعانة بعدد من أفراد العائلات بقرية البدرمان وعلى رأسهم أحمد توفيق، عمدة البدرمان، كإجراء احترازى. يناشد القس يؤانس شوقى، راعى كنيسة بديرمواس، سلطات الأمن الوجود المستمر بالقرية وضبط جميع المتهمين ومثيرى الشغب دون القبض على أشخاص ليس لهم علاقة بالواقعة. فى سياق متصل، ألقت قوات الأمن القبض على 3 متهمين فى أحداث نزلة البدرمان، وهم: نبيل سليمان جاد (45 سنة)، خفير نظامى، بحوزته بندقية خرطوش، ونادى نبيل سليمان (23 سنة)، عامل، ولويس جاد سليمان (65 سنة)، فلاح.