أبحث عن بصيص أمل يعيد إلى بهجتى التى ضاعت منى وابتسامتى التى فقدت عفويتها ونظرة عينى التى ضاع بريقها ولسانى الذى جفّ كلامه. لقد ضعفت دون هذه الأسلحة سندى فى الحياة، ولم أعد أقوى على النضال دونهم.. فقد خمدت قواهم ولم يعد هناك ما يحركهم ويشعل فضولهم أو يثرى شغفهم!! بهذه الكلمات العفوية بدأت حديثها فى محاضرة دعيت فيها للحديث عن مفاهيم السعادة والجمال.. اعتقد جموع الحاضرين الذين بذلوا من الجهد للحضور أنها قد تمتلك رؤية، ربما سراً، بحكم عملها فى مجالات مفترض أنها تبعث البهجة فى النفوس ومن ثم لديها من الخبرة والرصيد ما يمكنها من نقل هذا المخزون إلى هؤلاء المعلقين «بقشة».. قد تفتح لهم ولو باباً موارباً لأمنيات طالما احتار العقل فى تفسيرها أو تحقيقها. لم تفلح فى الكلام.. بل تعثرت وكادت تبكى لأنها أدركت فى هذه اللحظة أنها بالفعل فقدت أسلحتها وضاع منها هذا الحماس المتوهج الذى كان ينقل بعاطفة ما ينبض به القلب.. فهذه كانت مهنتها.. كانت هى هذا الوسيط بين عوالم الجمال ومحبيه.. تنقله إليهم.. «تُبسّطه».. تُفسره حتى ترى العين ما قد يغفو عنها أو يمر مر الكرام!! ثم شاء القدر أن يأتى من يبطش ويسلب هذا الحق فى الحياة وينشر القبح والجهل ويخرج من بطون الأرض أسوأ ما فيها، رافعاً أصابع تحمل شعارات معادية للإنسانية والسلام!!! فراحت ثقافة الحياة وحلت محلها ثقافة الموت والشهادة والقتل والإرهاب.. اختلطت الأشياء وتلطخت، فلم يعد اللون الأحمر لون البهجة، بل لون الدماء ولم تعد دموع الأطفال من أجل دمية، بل من أجل عطش الأمان، وصوت الموسيقى أصبح طبولاً للحرب والاستشهاد، وأنوثة المرأة ذابت مع وحشية الرجال وضحكات البنات حلت مكانها ابتسامات بلهاء وراء القضبان!! لا الصبية سيصيرون رجالاً ولا الرجال سيصبحون حكماء.. لا الحجاب أصبح ساتراً للنساء ولا العُرى أصبح يغوى الذكور.. الكل «ضايع» «هيمان».. «سكران».. تعبان.. مشتاق.. محروم.. ومحتاج!! يا سيدى.. فأى سعادة أو جمال سوف تتحدث عنها وهى ترى نساء وأطفال دول الجوار يتسولون للعيش والبقاء.. وأى مستقبل ينتظرنا وأعمالنا تحت رحمة حمقاء يجهلون قواعد العمل وأصوله وأى حاضر يحتضننا ونحن كرة فى ملعب الصغار. ومع ذلك.. ومن أجل عيون الحياة.. دعنا نقوى معاً ويعلو صوتنا، فلا الدين ما تظهره الكنائس والمساجد والطقوس، بل ما يختبئ فى أنفسنا ويتجوهر بنياتنا!! وتعالَ «نُسيّر» الحياة ونمضى للأمام فمن يشنقه صوت الماضى لا يستطيع مخاطبة المستقبل واعذرنى إذا كنت قد أفسدت عليك حقك فى سعيك للسعادة ودعنى أختم بمقولة «لخليل جبران»: «وما أنبل القلب الحزين الذى لا يمنعه حزنه من أن ينشد أغنية مع قلوب تسعى للفرحة»..