ربط عمامته البيضاء، متمسكاً بزيه التقليدى، كونه رجل دين فى المقام الأول، توجه إلى مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة، بكل رصانة يعلن أن «الخلافات بين الولاياتالمتحدةوإيران يمكن أن يكون لها إطار تعالج فيه جميع الخلافات، فإيران تتحرك انطلاقاً من مسئولياتها فيما يتعلق بالأمن الإقليمى والدولى». لم يأخذ أحد حينها حديثه على محمل الجد، ووُجهت إليه انتقادات عنيفة تتهمه بالخداع والمكر، فخرج رئيس الوزراء الإسرائيلى بعدها بساعات يحذر من «المماطلة» حتى الحصول على السلاح النووى. وقف الرئيس الإيرانى حسن روحانى، الذى لم يكمل عامه الأول بعد فى منصبه، يعلن أن «إيران لا تسعى إلى امتلاك سلاح نووى»، مؤكداً فى الوقت ذاته أن «لديها حقوقاً على العالم أن يعترف بها». عمامته البيضاء ولحيته الخفيفة هما كل ما يميزه فى مظهره عن سلفه أحمدى نجاد، الذى لطالما نظر إليه العالم على أنه «متشدد» لا مكان له فى المفاوضات مع الدول الكبرى حول البرنامج النووى الإيرانى. خاض «روحانى» السباق الرئاسى باعتباره رجل الدين الأوحد، ووسط توقعات مسبقة بأن يتصدر المحافظون النتائج، جاء اختياره «صادماً» على جميع الأصعدة.. الإيرانيون أنفسهم كادوا ينفجرون عن آخرهم من شدة فرحتهم، فخرجوا إلى الشوارع ينزعون الحجاب فى تحدٍّ واضح للسلطات، ابتهاجاً ب«نهاية الخريف الإيرانى»، بينما العالم ينظر فى دهشة.. هل يُعقل أن يكون الرئيس الجديد معتدلاً حقاً يمكن التوصل إلى تسوية معه لحل الأزمة نهائياً؟ هل يُعقل أن خلافاً دام ما يقرب من عقد كامل ينتهى فى أشهر معدودة؟ يوماً بعد يوم، تتزايد حدة الصدام بين الدول الكبرى والمعارضين للاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووى.. «طهران» تستمر فى رسائلها المتفائلة.. إسرائيل تحذر وفرنسا تهدئ من روعها، بينما تلهث الولاياتالمتحدة وراء «روحانى»، ولأنها القوة الأكبر فى العالم.. خرجت بقية الدول وراءها فى مسعاها دون تقدير حقيقى للموقف. ربما كل ما يريد أن يفعله «أوباما» أن يفعل إنجازاً ما يذكره له التاريخ، فقد أثبتت السنوات الخمس التى قضاها حتى الآن قابعاً على رأس أكبر دولة فى العالم، أنه أسوأ من تحكم فى المصالح الأمريكية على جميع المستويات. وفى الوقت الذى يسعى فيه «أوباما» لهذا الإنجاز بأى ثمن.. نجح «روحانى» فى توجيه أنظار العالم إليه، فقد استطاع إنهاء الخطوة الأولى فى مسيرة قد تكون إيذاناً لنهاية العقوبات الدولية على بلاده، فيما يرى آخرون أنه أنجز اتفاقاً تاريخياً، وهو: «الاستمرار فى البرنامج النووى وتخفيض العقوبات والحصول على نافذة من الوقت تسمح له بفعل ما يشاء». بين عامى 2003 و2005، حاز «روحانى» على لقب «الشيخ الدبلوماسى» نظراً لدوره فى المفاوضات، كما أنه كان عالم الدين الأوحد فى طاقم المفاوضات الإيرانى حتى يومنا هذا.