رفع عن عينيه نظارته السميكة، بعد أن تبصّر من يقف أمامه، دقّق النظر، رشف من قهوة البن التى يشتهيها، قاد كرم زهدى، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية فى مصر، ما أطلق عليه المراجعات الفكرية فى نهايات التسعينات، بغرض إعادة النظر جملة وتفصيلاً فى أدبيات الجماعة الإسلامية التى تبنّت، فيما مضى، العنف المسلح. آثر «زهدى»، قديماً، أن يودّع جدران العزلة الاضطرارية وسنوات الحبس العجاف، فأطلق عام 1998 دعوته الشهيرة لمراجعة فكر الجماعة القائم على سياسة العنف. عدّل مواقفه، فاتبعه نفر من الجماعة.. خرج وخرجوا معه من عنق الزجاجة، وباتوا أكثر تصالحاً مع السلطات القائمة.. خرجوا من السجون قبيل الثورة فى 2011، وهاجت الدنيا وماجت، وتطور المشهد السياسى سريعاً، وصل الإخوان إلى الحكم ثم عُزل رئيسهم عنه، ودخل أفراد الجماعة الإسلامية فى الاختبار، ما بين الرضا بواقع فرض نفسه ومحاولة التكيف معه، أو الرضا بأعمال العنف المتكررة التى أعلن «زهدى» وإخوانه نبذهم إياها فى حركة المراجعات. كرم زهدى هو الشيخ العجوز ذو اللحية الصفراء المخضبة بالحناء، ذاع اسمه كأحد أهم قياديى الجماعة الإسلامية.. وُلد كرم زهدى عام 1952، وانضم فى شبابه للجماعة الإسلامية التى برزت ضمن جماعات العنف الدينى فى نهايات القرن الماضى، وأصبح عضواً بمجلس شورى الجماعة الإسلامية فى السنوات الأخيرة. سُجن منذ اغتيال الرئيس المصرى الراحل أنور السادات عام 1981، وأُفرج عنه فى 27 سبتمبر 2003 بعد قضائه 22 عاماً فى السجن، قاد «زهدى» مراجعة داخل السجن للتخلى عن العنف وحمل السلاح ورفض الصراع مع الدولة. مؤخراً، وبعدما اتخذت الجماعة الإسلامية منحى مؤيداً لأعمال العنف فى مصر التى تستهدف الدولة، تناقش الباحثون فى شأن الجماعات الإسلامية عن مدى صدق المراجعات التى أعلنتها الجماعة فى السابق. ساءت صورة الجماعة ثانية، حاول أفرادها التراجع عن تأييدهم السابق للعنف الذى يجتاح البلاد، فلم يكن أمامهم سواه. فى الأيام الأخيرة زاره أفراد متمردون من الجماعة الإسلامية، تناقشوا حول إمكانية قبول خارطة طريق تعيد الجماعة إلى وضعها المقبول فى الشارع المصرى.. وافق صاحب المراجعات، خرج وأعلن أن الجماعة ستلتزم بخارطة الطريق تلك. اتهمه مؤيدو «الإخوان» بالعمالة للأمن، كالعادة رموه باتهام ملخصه أنه يسعى «للإطاحة بقيادات الجماعة والبقاء وحيداً على عرشها» وسموه بأنه محض باحث عن الشهرة عليل النوايا. كان عليه أن يؤثر السلامة وينتظر لحظة موته، فقد أزف الرحيل وذبل العود ولم يعد هناك جهد بعد الجهد.. دقق فيمن يردد تلك الاتهامات.. قرأها جيدا.. خلع عنه عمامته وقد تصبب عرقا ثم نظر إلى ناقلها وألقى بصره إلى الأرض وهو يقول: «لذلك خلق الله الندم».