« الدبة التى قتلت صاحبها» ,هذا هو سيناريو علاقة الجماعة الإسلامية بالرئيس أنور السادات, فالجماعة التي نشأت داخل الجامعات ورحب بها «السادات» للتخلص من «مراكز القوى» التابعة للرئيس الراحل»عبدالناصر» ،كان «السادات»أبرز ضحاياهم. فى أوائل سبعينيات القرن الماضى تشكلت أسر دينية فى الجامعات ,لتمارس بعض الأنشطة الثقافية والاجتماعية فى اوساط الطلاب , ونمت هذه الجماعة داخل الكليات , وقرر القائمون عليها إطلاق اسم «الجماعة الإسلامية» عليها ,ويكون مجالها الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد فى سبيل الله,وفي كل كلية مجلس للشورى على رأسه «أمير» ,وينتهي ب»مجلس شورى الجامعات» وعلى رأسه «الأمير العام» ,وهذا مضمون البناء التنظيمي,الذي ساد جامعات مصر ,خاصة فى محافظات الصعيد ( أسيوط- المنيا- سوهاج) . مسيرة الجماعة الإسلامية مرت بعدة مراحل, من الدعوة السلمية إلى الدعوة بالقوة ثم رفع السلاح في وجه الدولة, فالعودة إلى سيرتها الدعوية الأولى ,بعد الاعتذار عما ارتكبوه من جرائم,والتي ظهرت فى مراجعاتهم . المرحلة الأولى ,وهي»الدعوة السلمية» , جاءت في بداية عهد الرئيس الراحل أنور السادات ,بالتزامن مع حالة صحوة إسلامية بين نسبة كبيرة من شباب مصر, هذه الصحوة أيدها وشجعها «السادات» , الذي كان يستعد لخوض معركة فاصلة مع رجال «عبد الناصر» ,ممن أطلق عليهم (مراكز القوى), ومع الشيوعيين, الذين كان «عبدالناصر» أطلق يدهم للسيطرة على الجامعات والصحف ووسائل الإعلام, مما دفع السادات للإيعاز لأجهزة حكمه بغض الطرف عن أنشطة الإسلاميين المتصاعدة, خاصة في الجامعات كي يواجهوا- بالنيابة عنه- السيطرة اليسارية على اتحادات الطلاب, وكانت هذه هي بداية (الجماعة الإسلامية) التي نشأت في الجامعات, وقادها رموز من الشباب, انتقل بعضهم فيما بعد لجماعة الإخوان المسلمين, مثل عصام العريان, وإبراهيم الزعفرانى, وعبدالمنعم أبوالفتوح . وبرز دور الجماعة السياسي مع توقيع اتفاقية كامب ديفيد , وزيارة وزراء إسرائيليين لمصر, فعقدت الجماعة المؤتمرات واطلقت المسيرات ووزعت المنشورات خارج أسوار الجامعة ,للتنديد بذلك, والمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية,وأدى ذلك الي تدخل الحكومة في سياسات اتحادات الطلاب، فأصدرت لائحة جديدة لاتحادات الطلاب عام 1979, التي قيدت الحركة الطلابية, وازداد الضغط الإعلامي والأمني على قيادات الجماعة ومطاردتهم في جامعات الصعيد وتم اعتقال بعض قياداتهم وفصلهم من الجامعة , واغتيال بعضهم على يد الشرطة. ومع نهاية السبعينيات بدأ التحول داخل الجماعة , من الدعوة الاسلامية إلى العنف وانتشار أفكار التغيير بالقوة وفرض الشريعة بالسيف, وظهرمنهم من يعتنق فكر التكفير داخل السجون ,تحت وطأة التعذيب ,وبدأت أولى مراحل الصدام بين الأمن وأعضاء الجماعة الإسلامية ,خاصة في مدن الصعيد. وفى 6 أكتوبر 1981 قام الجناح العسكري للجماعة باغتيال الرئيس السادات, بقيادة خالد الإسلامبولي وعبد الحميد عبد السلام - الضابط السابق بالجيش - والرقيب متطوع القناص حسين عباس محمد ,الذي أطلق الرصاصة الأولى القاتلة ,والملازم أول احتياط عطا طايل حميدة رحيل , أثناء احتفالات مصر بانتصارات أكتوبر، وقد نسب للجماعة الإعداد لخطة تستهدف إثارة القلاقل والاضطرابات والاستيلاء على مبنى الإذاعة والتليفزيون والمنشآت الحيوية بمناطق مختلفة,وتم إلقاء القبض عليهم جميعاً، وأصدرت المحكمة قرارها بإعدام المتهمين رمياً بالرصاص ,وتم تنفيذ الحكم في زميلهم محمد عبد السلام فرج ,مؤلف كتاب «الفريضة الغائبة «بالإعدام شنقاً. وفى 8 أكتوبر 1981 قام بعض أفراد الجناح العسكري للجماعة الإسلامية بمهاجمة مديرية أمن أسيوط ومراكز الشرطة واحتلال المدينة ,ودارت بينهم وبين قوات الأمن معارك , قتل فيها العديد من كبار رجال الشرطة والقوات الخاصة , وانتهت بالقبض علي افراد الجماعة الاسلامية, وعلى رأسهم ناجح إبراهيم وكرم زهدي وعصام دربالة، والحكم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة 25 عاماً. وشهدت مصر ما بين عامي 1991 و1998 سبع سنين من الصراع الدموي بين قوات الأمن المصرية وأعضاء جماعتي الجهاد والجماعة الإسلامية, ووفقا لإحصائية المنظمة المصرية لحقوق الإنسان فإن 1357 شخصاً من الأمن والجماعة الإسلامية ومدنيين لقوا مصرعهم في أعمال العنف السياسي , وفى تلك الفترة تمت محاكمة أكثر من ألف متهم أمام محاكم عسكرية, في 32 قضية منفصلة, منهم 383 عضوا فى «الجماعة الإسلامية»، وقد أُعدم 51 منهم ، وسجن 247، وبراءة 85، ولم يكن لأي من المتهمين الحق في الاستئناف ضد الأحكام العسكرية, التي صدرت ضدهم. وقد ركزت «الجماعة الإسلامية» على استهداف رجال الشرطة وبعض المسيحيين , كما استهدفت السياح أيضاً، ونفذت العديد من هجماتها في محافظات أسيوطوالمنيا وقنا, وكانت أشهر تلك الجرائم هي واقعة مقتل 58 سائحا أجنبياً وأربعة مصريين في باحة معبد الملكة حتشبسوت ,بالدير الغربي بالأقصر عام 1997، وهو الحادث الذي أعلنت «الجماعة الإسلامية» مسئوليتها عنه, وتبرأ منه قادتها المسجونون. في عام 1993 بدأت الجماعة الإسلامية التراجع عن العنف, والعودة إلي الدعوة السلمية ,بعد وساطة الشيوخ محمد متولي الشعراوي ومحمد الغزالي وأحمد فراج, والدكتور أحمد كمال أبو المجد, بعدما سهلت لهم وزارة الداخلية زيارة قادة الجماعات المعتقلين في السجون ,ودار حوار حول منهج العنف والخروج على الحاكم, واستمرت المراجعات , وأعلن قادة الجماعة «مبادرة وقف العنف» رسميا عام 1997 , وتوقفت - تقريبا - عمليات القتل والتفجيرات التي كانت موجهة بالأساس إلى رجال الشرطة والمؤسسات الحكومية, ليسود الهدوء بعد حقبة دموية امتدت طوال فترة التسعينيات, وقد أصدر قادة الجماعة أربعة كتب تحت شعار (سلسلة تصحيح المفاهيم)، هي: «تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء», و»النصح والتبيين في تصحيح مفاهيم المحتسبين», و»حرمة الغلو في الدين وتكفير المسلمين» ,و»مبادرة وقف العنف: رؤية واقعية ونظرة شرعية»,وقد حملت الكتب توقيع قيادات مجلس شورى الجماعة الإسلامية :أسامة حافظ، وعاصم عبد الماجد، وكرم زهدي، وعلي الشريف، وناجح إبراهيم، وعصام دربالة، وفؤاد الدواليبي، وحمدي عبد الرحمن. ومع بداية عام 2000 بدأ الاتجاه لإنشاء حزب للجماعة الإسلامية ,ولكن لجنة شئون الأحزاب رفضته وجمدت الفكرة. وفى حوار نقيب الصحفيين السابق مكرم محمد أحمد مع قيادات الجماعة الإسلامية داخل سجن العقرب عام 2002 ،قال له « كرم زهدي» رئيس الجماعة السابق «لن نقدم اعتذاراً فحسب, بل إننا فكرنا بجدية داخل مجلس الشورى في مسألة إعطاء «ديات» لعائلات ضحايا الأحداث السابقة من عوائد بيع كتبنا (كتب المراجعات عن أفكار الجماعة السابقة) إذا ما استطعنا وأملكنا الله قدرة على ذلك». ونفى قادة الجماعة أي علاقة لهم بأسامة بن لادن, مؤكدين أن علاقته فقط هي بأنصار جماعة «الجهاد» المصرية, التي يختلفون معها, فيما يتعلق بنبذ العنف. وقال كرم زهدي «إن تفجير 11 سبتمبرخطأ شرعا, وقد كان في مبنى التجارة أكثر من 600 مسلم ومسلمة, قتلوا مع من قتلوا, وهذه أرواح بريئة زكية، وسيسأل عنها ابن لادن ومن معه، والله أعلم», وفي أغسطس 2006 أعلن أيمن الظواهري انضمام عدد من قيادات الجماعة لتنظيم القاعدة. وجاءت ثورة 25 يناير لتفتح أبواب السجون ,ليخرج الي الحرية كل من أنهى مدته من قادة الجماعة الإسلامية ,ولتسمح لهم الدولة بممارسة العمل السياسي, فأسسوا حزب «البناء والتنمية» ودخلوا البرلمان , وهو ما جعل الباحث - فى شئون الجماعات الإسلامية - على بكر يستبعد حمل الجماعة السلاح مرة أخرى , مؤكدا أنهم لا يمتلكون أى ميليشيات مسلحة , ولكن «بكر» لم يستبعد عودتهم للعنف ,ضمن العنف المجتمعى الذى تشهده البلاد حاليا.