كان مجرد حلم صغير لفتى لم يتجاوز ال13 عاماً، عندما ألف قصيدة عن قصة نبى الله نوح فى إحدى مدارس الأحد بالكنيسة، ففازت القصيدة، ولم يكن يعتقد حتى بعد أن أصبح مخرجاً كبيراً أن تتاح له الفرصة لتنفيذ حلمه الذى كبر معه.. إنه المخرج دارين أرنوفسكى، الذى ذاع صيت كثير من أعماله مثل فيلم «البجعة السوداء» وغيرها من الأفلام، والذى قال عبر تدوينة له على موقع «تويتر» إنه كان يحلم منذ أن كان عمره 13 عاماً بفيلم عن نبى الله نوح. ونظراً لأنها كانت فكرته وحلمه منذ البداية، شارك «أرنوفسكى» فى إعادة كتابة قصة الفيلم بالاشتراك مع الكاتب «أرى هاندل»، ونجح «أرنوفسكى» فى إقناع شركة «باراماونت» بإنتاجه بتكلفة مبدئية وصلت إلى 130 مليون دولار. ويقوم بتجسيد دور «نوح» فى الفيلم النجم العالمى راسل كرو، أما زوجة نوح فهى النجمة جينفر كونلى، التى فازت بالأوسكار عن دورها أيضاً مع راسل كرو فى فيلم «Beautiful Mind»، والنجم الكبير أنتونى هوبكنز، والنجمة الشابة إيما واطسون، ولوجان ليرمان. ومن المقرر أن يُطرح الفيلم فى السينمات الأمريكية فى 28 مارس 2014. وذكر موقع «imdb» أن القصة الأساسية للفيلم تدور حول رجل توراتى «يهودى» يحلم بطوفان عظيم يغرق الأرض كلها بمن فيها، فيحاول بناء سفينة لإنقاذه هو وعائلته، بينما ذكرت مواقع أخرى أن قصة الفيلم تدور عن عالم كان بلا أمل مع عدم وجود أمطار ولا محاصيل، عالم قاسٍ سيطر عليه أمراء الحرب وجحافل البرابرة. وكان نوح رجلاً طيباً ومقاتلاً محنكاً، لكنه أراد فقط السلام بالنسبة له ولعائلته، وكان بعد كل ليلة يعانى من رؤى عن فيضانات لا نهاية لها، تدمر كل أشكال الحياة، وتدريجياً بدأ فى فهم الرسالة المرسلة إليه من الخالق، الذى قرر معاقبة الرجال وقتلهم حتى آخر رجل فيهم، لكنه أعطى فرصة أخيرة للحفاظ على الحياة على الأرض. وصرح المخرج دارين أرنوفسكى بأنه بدأ تصور مشاهد الفيلم عن طريق رسم الرواية كلها على هيئة رسومات كرتونية، ثم حول هذه الرسومات إلى مشاهد مصورة. مضيفاً أن الفيلم تم تصويره فى أيرلندا، وأنه استُخدم الكثير من المؤثرات الخاصة فى الفيلم، وبخاصة فى مشاهد الطوفان وجحافل الحيوانات التى كانت موجودة داخل السفينة والمذنبات التى سقطت على الأرض، فتكاليف الفيلم المرتفعة التى وصلت إلى 130 مليون دولار كانت بسبب مواقع التصوير التى تم بناؤها لتجسيد الملحمة التاريخية للطوفان، كما وصفها المخرج. وكغيره من الأفلام التى تقترب من العقائد الدينية بدأت حرب الانتقادات ضد فيلم «نوح» حتى قبل أن يتم طرح الإعلان الرسمى له، فمنذ أن بدأ طرح صور للنجم راسل كرو الذى ظهر بشعر رمادى طويل ولحية طويلة وملابس بدائية، بدأ الكثير من الجمهور الأمريكى التعجب من هذا المظهر الذى بدا عليه «راسل»، وما إن تم تسريب بضع ثوان من الفيلم المنتظر حتى بدأت حرب التصريحات، ما بين مؤيد ومعارض، ما دفع الشركة المنتجة للفيلم «باراماونت» إلى القلق على مصير الفيلم وما إذا كان سيلقى نجاحاً أم لا. وقامت شركة «باراماونت» بقياس ردة فعل مجموعة من المسيحيين الملتزمين، فأعطوا الفيلم تقييمات منخفضة، وفقا لما نشره موقع «إيه بى سى نيوز»، وأرجعوا السبب فى تقييماتهم المنخفضة إلى أن الفيلم لم يلتزم بما جاء فى الكتاب المقدس. واستطلاع رأى آخر أجرته الشركة للفئات الرئيسية التى من الممكن أن تتأثر بموضوع الفيلم، وهم مجموعة من اليهود ومجموعة أخرى من المسيحيين فى ولاية أريزونا، وجاءت ردود فعل معظم المشاهدين أنهم يشعرون بالقلق من مضمون الفيلم. وحاولت الشركة المنتجة بعد هذه الاستطلاعات إقناع «أرنوفسكى» بالتعديل فى الفيلم لتجنب الغضب المسيحى، لكن المخرج تمسك بعمله وقال: «أنا رافض لأى تعديل، ولا يهمنى رأى (باراماونت)». وأشارت وجهة نظر أخرى إلى أن «أرنوفسكى» لا يعتمد فى فيلمه، الذى يراه تاريخياً، على ما جاء فى العهد القديم، لكن حاول من خلال السيناريو الذى شارك فى كتابته إلى تحويل القضية إلى اهتمام النبى نوح بالبيئة والفساد الذى كان يسببه قومه لها. كما أشار الكثير من النقاد إلى أن الفيلم ظهر فيه ملائكة مسلحة، وهو ما يتنافى مع المعتقدات التى تشير إلى أن الملائكة دائماً ترتبط بأعمال الخير. ورأى الكثير من المواقع الفنية الأمريكية أن كل الآراء التى انتشرت عن الفيلم تجعله أمام تحدٍّ كبير، حتى لا ينفر الجمهور المسيحى المحتمل أن يكون كبيراً من الفيلم إذا خالف بدرجة كبيرة الكتاب المقدس. وقد قال الكاتب «بريان جوداوا» Godawa فى أكتوبر 2012 إنه حصل على نسخة من سيناريو فيلم نوح ونشر ملخصاً له على الإنترنت تحت عنوان «نوح على طريقة دارين أرنوفسكى.. هو مهووس بالحفاظ على البيئة». كما اتهم أحد المنتديات التابعة لإحدى الكنائس فى نيويورك فيلم «نوح» بتشويه الدروس المستفادة من القصة الواردة فى الكتاب المقدس، التى كانت تقوم على قيم الإيمان، محذراً من أن هذا الفيلم يدعو إلى الهمجية والوحشية، ولا يتناول الحكمة من قصة نوح الواردة فى العهد القديم وهى «عالم دمرته خطيئة الإنسان»، على حد وصف الكنيسة. وردّ مخرج الفيلم على أحد الانتقادات التى وجهت إلى الفيلم بأنه يحتوى على أجزاء لا توجد فى الكتاب المقدس، قائلاً إن «قصة نوح تمتد إلى أربعة فصول فى سفر التكوين بالعهد القديم، ومن الممكن أن يكون الناقدون لم يذهبوا إلى مدارس الأحد لمعرفة القصة كاملة». ونشر موقع «هوليوود ريبورتر» أن المشكلة الحقيقية التى يواجهها فيلم نوح هو أنه يواجه عنصرين من التركيبة الأساسية للجمهور المستهدف، وهم المسيحيون واليهود، وهم الذين يستطيعون أن يحددوا إيرادات شباك التذاكر للفيلم، وأن هذا يبدو مقلقاً للشركة المنتجة، خاصة بعد الاستطلاعات التى أشارت معظم نتائجها إلى أن الفيلم يصطدم عند الكثير منهم مع الكتاب المقدس. ولكن على الجانب الآخر، رأت بعض الصحف الأمريكية أنه رغم الانتقادات التى سبقت الفيلم، فلا بد أن هناك جمهوراً مهتماً بمعرفة كيف سيقدم «أرنوفسكى» قصة سفينة نوح برؤية جديدة ومن منظور مختلف، ولا يهتمون بما يثار حول الفيلم وما يقوله رجال الدين عن عدم احترام الفيلم للكتاب المقدس. كما أشار بعض النقاد إلى أن «أرنوفسكى» يعرف كيفية صياغة صور لا تنسى. كما تلقى «أرنوفسكى» ردود فعل إيجابية خلال عرض فيلمه فى مؤتمر كنيسة فى ولاية تكساس.