1- الردة الأولى قبل الإسلام مباشرة كان النظام السياسى فى قريش قائما على توزيع السلطات القبلية، بين ثمانية بطون من القبيلة، بينما يتنافس البطنان الباقيان، وهما الأكبر شأنا وقوة (بنو هاشم وبنو أمية) على الرئاسة والملك، لأن أيا منهما لم يحسم القوة لصالحه. البطون الثمانية الباقية ارتضت بنصيب من السلطة يتوافق مع قوتها، وهناك أمثلة على توزيع السلطات: فسدانة البيت الحرام أو ما يعرف بالحجابة، أى حمل مفتاح الكعبة، كان من نصيب (بنى عبدالدار)، وكان من نصيبهم أيضاً الإشراف على دار الندوة حيث يجتمع من يتخطى الأربعين عاما للتباحث حول شئون القبيلة، أما إطعام الحجيج فكان من نصيب بنى نوفل، والمشورة لبنى أسد، وحمل لواء المعارك كان لبنى أمية، و(الأشناق)، أى فرض الغرامات والديات، كان من سلطة بنى تيم، وهى بطن ينتمى إليها أبوبكر الصديق، و(الحكومة)، أى القضاء بين الناس فى مشاكلهم فكانت لبنى سهم... وهكذا. لن تحتاج إلى تفكير طويل لتدرك أن توزيع كعكة السلطة بهذا الشكل، يقلل الصراعات على الأقل فى المنطقة التالية للبطنين الكبيرين، بنى هاشم وبنى أمية، فهو نوع من المحاصصة السياسية يقلل النزاع فى ما هو دون القمة. وهو تطور نوعى عن صيغة الملك المطلق فى مجتمعات أخرى حيث تملك عائلة الأرض و(ما/من) عليها، ربما أقرب صيغة معاصرة لصيغة قريش هى لبنان، رغم توزيع السلطات على ثلاث طوائف فقط من بين 18 هى مجموع المجتمع اللبنانى. فى عهد النبى ومع إقامة دولة المدينة سادت صيغة أكثر تطورا، حيث اعتمد الإسلام خطاب المساواة، وتوجهت الرسالة للناس أجمعين، كما وضع الإسلام قواعد للأفضلية ترتكز على التقوى وليس الجنس أو العصبية القبلية، وخلال اختيار الخلفاء الراشدين لم تحسم الأفضلية القبلية الأمر السياسى. ثم حدثت الانتكاسة خلال الإمبراطوريات الإسلامية بدءا من الدولة الأموية بسيادة حكم العائلات التى تحتكر السلطة والثروة والحكم وتتحكم فى كل مؤسسات الدولة. بعد ثورة يناير وخلال عام الإخوان بدأت الجماعة من الجاهلية، حيث افتتحت مشروعها للاستبداد الإسلامجى بوعود للمحاصصة السياسية لشركاء ثورة يناير، قائمة على مقاييس قوة انتخابية مزيفة، استنبطتها، من نتائج التعديلات الدستورية، ثم نتائج برلمان، ثم حنثت الجماعة فى وعودها لصالح مشروع التمكين الكامل، بمنطق التمكين فى الحكم والدستور، ومفاصل الدولة، فقبيلة منظمة قوامها نصف مليون شخص، استحوذت على نصيب 90 مليونا. ومن هنا كان طبيعيا عندما يزيح حكمها ثلاثون مليونا منهم أن تفقد القبيلة كل شىء، نصيبها التقليدى من المحاصصة الجاهلية، ونصيبها الحالم فى مجتمع المساواة. وكانت هذه نهاية الردة الأولى. 2- الردة الثانية كانت الحجة الدائمة للخطاب الإخوانجى المتباهى بانتصاراته وتمكينه طوال العامين الماضيين هى «الصناديق»، وما يتبعها من الكلام عن تمثيلهم الشارع والتماهى مع متطلباته وخدماته، وعندما لاحقتهم الانتقادات، وقالت إن الديمقراطية هى أيضاً قيم وليست صناديق فقط، لم يكن يسمع أحد. اليوم وبعد نزول الملايين للشوارع لإسقاط حكم الجماعة يعود الخطاب الإخوانجى إلى ثنائية «الحاكمية والجاهلية»، والشعب الذى كان سند الجماعة بات «عبيد السيسى»، «وشعب على الحجار». كما تحولت صورة الصراع فى الخطاب الإخوانجى إلى صراع على «الشريعة والإسلام». وظهر الخطاب السابق فى صور عديدة، منها ما حفلت به منصة الإرهاب الدولى فى «رابعة»، أو اجتماع التنظيم الدولى فى باكستان. خذلان الشعب للجماعة عزز من أفكار تكفيرييها، كما ساعد وكلاء القاعدة من السلفية الجهادية، وتكفيريى القاهرة، على تسويق أفكار القتل ونبذ الديمقراطية الغربية فى أوساط الإسلامجية المقهورين، لنستيقظ على حقيقة أن محاولات عصرنة الإسلامجية ودمجهم فى اللعبة الديمقراطية باتت أوهاما. هذه عينة من الخطاب القديم العائد، جاءت على لسان ابن للقيادى الجهادى السابق رفاعى سرور، كتب على صفحته الشخصية بموقع فيس بوك يطالب بمقاطعة ومعاقبة الأقارب ممن يتبنون رأيا مخالفا لمشروع الإسلام السياسى ثم يقول «أؤكد مرة أخرى على مطلب الثقة، لأن الإسلامى وحده من يستطيع مخالفة المجتمع، سواء فى سلبيته أو فى عدائه للإسلاميين». ثم يضيف: «يجب أن يدركوا أن العداء مع الإسلاميين هو عداء مع الإسلام، ليس لقداستنا وليس لتجردنا من الخطأ، بل لأننا نمثل فى وعيهم فكرة مقدسة هى الاحتكام إلى الله فى الأمور التشريعية على مستوى الدولة». وكان الانقلاب على الشعب والكفر برأيه هو الردة الثانية، بعد ردة التمكين.