يأبى الحزن أن يحمل عصاه ويرحل ليعقد صلحاً مؤقتاً مع المصريين.. فى السنوات الأخيرة ينتقل الحزن من مكان إلى آخر، ومن بيت إلى آخر، مزهواً مفتخراً.. كل يوم يحط رحاله، ينصب خيامه، يرفع ألويته، يشهر سلاحه، فى وجوه الفقراء والمعدمين. فى رحلته الأخيرة، التى أفجعت قلوب المصريين.. كان الحزن حاضراً بقوة، زائراً ثقيل الظل، عندما سقط 11 مجنداً أمس الأول فى هجوم إرهابى غادر بشبه جزيرة سيناء.. سقط الجنود ضحية الغدر والإرهاب، ليخلفوا وراءهم الحزن فى قلوب ذويهم، الذين يدفعون ضريبة باهظة، فى ظل وطن يغامر بأمنه وكرامته مَنْ لا يعرفون للوطن قيمة.. فيما اختزلت امرأة ثكلى المشهد بحكمة عابرة: «هما ليه الغلابة بس اللى بيدفعوا التمن؟!»! مواكب الحزن استأنفت نشاطها فى ساعة مبكرة من صباح أمس، عندما ودع أهالى وجيران الجنود، فى محافظات المنوفية والفيوم والدقهلية والشرقية والإسماعيلية، جثامينهم إلى مثواهم الأخير، وسط مشاهد مأساوية لم يتخيل أكثر كتاب الدراما تشاؤماً أن يعيشها المصريون بعد ثورتين. كانت ساعات مؤلمة، تلك التى رصدتها «الوطن» فى وداع 11 شهيداً، افتدوا وطنهم بدمائهم الطاهرة الزكية.. هذا أب مكلوم يرفع يديه إلى السماء يطلب الرحمة لابنه والصبر لنفسه، وتلك أم ثكلى تلطم خديها وتندب وتصرخ، لا يحتمل قلبها لعبة الغدر ومراوغات الموت، وتلك زوجة ترملت وتيتم أبناؤها، لن يرد لها صراخها ما انتزعه الإرهاب الغاشم منها، وهؤلاء مشيعون يهتفون من أعماق قلوبهم ضد جماعة باعت الدين والدنيا والوطن والشعب من أجل مصلحتها.. وغير بعيد من هؤلاء يقف رجل يقول: «ربى الله، حسبى الله، يكفينى فخراً أن ابنى قضى نحبه شهيداً»، ويخاطب الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع والإنتاج الحربى: «لو عندى 10 أولاد ما بخلت بهم على بلدى». «الوطن» كانت هناك، فى وداع أبناء مصر الأبرار، فيما كان الحزن يفكر ويدبر ويخطط لضربته المقبلة.