الصدمة الهائلة التى سببها الهجوم الجبان على الجنود المصريين فى رفح، يجب ألا تكبلنا عن التفكير بعقلانية بشأن وضع سيناء وأهلها، وكذلك غزة وحكامها. فالتفكير الأمنى البيروقراطى المصرى يميل فى هذه الأزمات إلى تكرار مقولاته وأساليبه التقليدية التى تخون بدو سيناء، وتتهم حماس بمحاولة الاستيلاء عليها أو إلقاء اللوم على المؤامرة الإسرائيلية وغيرها من أنماط التفكير التى هى ذاتها جزء من أسباب الأزمة فى سيناء. إن صلب الأزمة الأمنية فى سيناء هو التداخل بين التطرف ذى البعد العالمى لتنظيم القاعدة مع الشعور بالظلم لدى بدو سيناء، اللذين تفاعلا فى وسط قدر هائل من التهميش الاقتصادى والقمع الأمنى وضعف الوجود العسكرى بسبب معاهدة السلام إضافة إلى التوتر القادم من فلسطين المجاورة. يعلمنا التاريخ أن أراضى الحدود يمكن أن تتحول إلى مناطق للتنمية والتقدم مثلما فعل الأمريكيون مع كاليفورنيا قلب الحلم الأمريكى، عبر آليات الاستيطان المكثف وإنشاء خطوط السكك الحديدية والاستيطان شبه العسكرى أى تمليك الأرض للجنود والضباط المتقاعدين مع شراكة السكان الأصليين، وهو ما يعطى ثقلاً للحدود. فى المقابل يمكن أن تتحول الحدود إلى بؤر مزمنة للتوتر والتطرف مثل بيشاور الباكستانية جارة أفغاستان. مشكلة سيناء الرئيسية أن البيروقراطية المصرية التى حكمت فى الستين عاما الماضية لم تفهم طبيعة أهل شبه الجزيرة النائية بل لم تحاول قط أن تفهمها، وتعاملت مع سيناء كأرض خاوية، ومع البدو كمشكلة فى أغلب الأحوال، وفى العقل الباطن المصرى القادم من النهر هناك خليط من الخوف والتوجس والاحتقار للبدوى واقتناع بعدم جدوى تحويله للحالة الحضارية. واللافت أن تجربة توطين البدو فى مصر هى الأولى عربيا، وقام بها رجل يتحدث العربية بصعوبة هو محمد على باشا، وأثمرت توطين عشرات القبائل البدوية التى أزعجت الفلاح المصرى لقرون، لتعمر هذه القبائل مساحات شاسعة فى الشرقية والبحيرة والصعيد وغيرها من أطراف الوادى، ولتنجب عشرات من العائلات المصرية الكبيرة. كما أن هناك تجارب عربية نجحت فى توطين البدو منها التجربة الأردنية التى قامت على أكتاف قبائل هى الأقرب فى الجغرافيا والدم والطبيعة لبدو سيناء مما يثبت أن الأزمة ليست فى بدو سيناء ولكن فى البيروقراطية المصرية. تحتاج مصر إلى نموذج خاص لتنمية سيناء يركز على إعطاء دور أكبر لأهلها فى التنمية، وتحويلهم من طاقة سلبية إلى قوة إيجابية، مع مراعاة طبيعة البدوى الذى يأنف عادة من العمل اليدوى ويميل إلى أن يمارس دورا قياديا على أرضه، ويمكن تحقيق ذلك من خلال تشجيع البدو على إنشاء مؤسسات اقتصادية فى الزراعة والسياحة تعتمد على العمالة الماهرة القادمة من الدلتا والصعيد وبالتالى يصبحون أصحاب مصلحة فى الاستقرار، مثلما فعل النظام الأردنى حيث يمتلك البدو (السكان الأصليون) جزءا كبيرا من الأرض الزراعية، مع الاعتماد على العمالة الفلسطينية والمصرية والسورية. أما محاولة البعض إلقاء اللوم فى العملية الدنيئة على التقارب بين حماس والرئيس الإخوانى الجديد، فإن الرد بمنتهى البساطة أن حماس كانت الأقسى فى التعامل مع الجماعات الجهادية حتى إنها لم تتورع عن قصف مسجد ابن تيمية فى غزة عندما أعلن عبداللطيف موسى تأسيس إمارة إسلامية بالقطاع، كما أن من مصلحة حماس نجاح التجربة الإخوانية فى مصر لا فشلها. يبقى حديث المؤامرة الإسرائيلية، ولكن مهما كان حقنا الطبيعى فى التوجس من إسرائيل فإن التفكير المنطقى يشير إلى أنه ليس من مصلحة الدولة العبرية أن تتحول سيناء إلى أفغانستان جديدة تسيطر عليها القاعدة، حتى لو كان ذلك ذريعة لها للتدخل، لأن هذا التدخل لن يوفر لها الأمن بقدر ما سيستثير ضدها الروح الوطنية المصرية والعصبية البدوية والجهادية العالمية.