سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«الوطن» شاهد عيان على عملية للمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال أبناء «بالعين» يحطمون جزءاً من الجدار العازل: «بنقول لإسرائيل إننا لا نخاف أسلحتهم وجنودهم»
الأجواء غامضة، لغة العيون تتحدث من خلف لثام، عقدوا العزم: «لا مفر»، الإحساس بالقهر يدفعهم، الاحتلال يضغط على الكرامة، الأرض مغتصبة والإخوة فى عداد الشهداء، لذا كان القرار هو استكمال المسير حتى بأبسط الوسائل.. «هدم جزء من الجدار العازل» عملية مقاومة جديدة، اجتمعوا على تنفيذها، فى القرية الصغيرة التى لا يتعد سكانها ألفى مواطن فلسطينى (بالعين)، اعتادوا مثل هذه العمليات، كلها تهدف إلى نتيجة واحدة «الوقوف فى وجه الجدار الأسمنتى»، العمليات التى بدأوها قبل 9 سنوات وما زالت تتواصل، كان ل«الوطن» وعدد من الصحف شرف معايشة إحداها خطوة بخطوة. «ببالى حبك يا أبوعمار» كلمات فلسطينية تصدر من صوت جبلى، داخل حديقة منزل صغيرة صنعوا دائرة، كخلية نحل، نحو 20 فرداً «مقاومين» برفقتهم نشطاء أجانب، أحدهم «إسرائيلى»، الكل ضد الصهيونية، «كوبى» اعتُقل أكثر من 30 مرة ولا يزال مصراً على مشاركة المقاومين، «ميخال ومايا» يضحكان كأنها رحلة؛ فالمقاومة باتت طقساً أسبوعياً ثابتاً. فى طريق وعر، تحفه الأحجار على جنباته، ترابى غير ممهد، يسير المقاومون، تتسارع خطواتهم، يتبادلون النظرات، فيبدأ كل منهم فى اتخاذ مكان محدد، أنوار مستوطنة «كريات سيفر» تأتى من بعيد، الجدار الأسمنتى يتقدمه سور حديدى، بمثابة نقطة أمنية لجنود الاحتلال، تكون الأصعب فى طريق مسيرات مناهضة الجدار العازل، فى تمام الواحدة ليلاً كانت ساعة الصفر، خمس دقائق سقف إجراء العملية، فعلوها فى ثلاث دقائق فقط، أشعلوا النيران فى إطار سيارة ليضىء المكان، راحوا يخلخلون السور، يهمسون حتى لا يسمع من هو خلف الجدار، يُسقطون السور، لم تنته العملية بعد فالأهم لحظة الانتصار.. راحوا يجرّون السور ك«غنيمة حرب»، عادوا إلى قريتهم الصامدة، التقطوا الصور بجوار السور، علقوا أعلام فلسطين، اتفقوا على استكمال المهمة فى الصباح. إنجاز معنوى، هكذا يعتبره «هيثم» صاحب ال18 عاماً، أحد منفذى العملية: «بنوصّل رسالة للعدو إن وجود جنود بسلاح لا يخيفنا وإننا قادرون على إزعاجكم حتى الرحيل عن ديارنا»، الفريق المقاوم ليس مجرد مجموعة من الشباب يساعدهم الصبية؛ فالقرية كلها تدعمهم. 2000 مواطن فلسطينى هو تعداد قرية «بالعين» المتماسة مع حدود الصهاينة، مساحتها 4 آلاف «دونوم»؛ 4 ملايين متر مربع، قسمها الجدار العازل نصفين، فقرروا أن ينزعوه من أراضيهم، 1200000 متر تم تحريرها من أيادى الإسرائيليين بحكم محكمة، كانت مستقطعة بسبب الجدار العازل، علاوة على استرداد جزء أقيم فوقه الجدار بقرية «باب الشمس».. «مجرد شكل حضارى» يقولها «حسين»، أحد المشاركين فى العملية، مشيراً إلى عدم استخدام المقاومين لأى أسلحة سوى «العزيمة» و«الصدور العارية»، غير أنه يردد دوماً: «كلنا فى انتظار الشهادة.. كلنا فدا فلسطين»، يلتقط منه «على» أطراف الحديث، صوته أجش، يشارك فى كل الفعاليات: «بدنا نروح القدس واللى بنعمله ما هو قليل ومحيّر الصهاينة». على طول الطريق يشير المقاومون إلى ثمار أعمالهم، من خلال حديقة زرعوها فى عبوات الغاز الفارغة، أو يوم فاعل تسبب فى وصول صوتهم للعالم ليحصدوا جوائز عالمية تكريماً لصمودهم، حسب الدكتور راتب أبورحمة، المنسق الإعلامى للجنة الشعبية لمقاومة الجدار، الذى يقول: إن «بالعين» تمكنت من توحيد جميع الفصائل الفلسطينية داخلها نحو هدف واحد هو مواجهة توغل الجدار على أراضيها.. المقاومة ليست مسيرة يطوفون بها لإيصال الرسالة، ف«أشرف أبورحمة» يحكى بطولة صعوده فوق رافعة لأجزاء من الجدار كى يمنع سائقها من رص العائق الأسمنتى، 30 متراً فوق سطح الأرض، هكذا ظل الشاب الثلاثينى معلقاً، 5 ساعات كاملة عطل فيها «البطل» قوات الاحتلال عن مواصلة العمل.. «2 مليون شيكل خسائر» تقارير أصدرتها السلطات الإسرائيلية، طالبت على أثرها «أشرف» بالتعويض، يضحك ابن قرية «بالعين» ملء شدقيه وهو يروى اعتقاله لأكثر من 10 مرات وإصابته نحو 30 مرة بالغاز والخرطوش وإحداها بالرصاص الحى فى القدم من الوضع «صفر» أى على بعد خطوتين فقط، لأشرف شقيقان رحلا من أجل مواصلة قريتهم الجهاد ضد الصلف الإسرائيلى، لذلك يقول إن والدته فخورة بمواصلته المسيرة. عقب شروق الشمس بلحظات كان التحرك الثانى صوب «برنابالا» قضاء القدس، يحمل الجميع مطارق، راحوا يتحسسون الخطى، الغرض هنا هو هدم الجدار ذاته، فى الأعلى ظلوا يضربون دون فائدة، ففطنوا إلى الضرب أسفل فتكوينه الأسمنتى أضعف، 7 دقائق كاملة أثمرت عن فتح نحو 2 متر فى الجدار، تسلل بعض مصورى الفيديو إلى الداخل، فرحين بالتجربة، مستشعرين أنهم أغاظوا العدو وأرهقوا غطرسته، لحظات ونودى بالانسحاب.. الضباب يكسو الأجواء، لا ترى من يسير أمامك على أرض غير مستوية، كان الاتجاه قبل «رافات» قضاء رام الله، سلك شائك موصول بالكهرباء، أخرجوا العدة وأطلقوا العنان للتجربة، تمكنوا من قطعه، بعض النشطاء خلع اللثام فنهرهم قائد الركب. قبيل صلاة الظهر كانت المسيرة فى اتجاه المكان المعتاد على حدود القرية مع الجدار الأسمنتى، الغاز يضرب بقوة، الجميع صامدون، يصرخ فلسطينى فى مصور أجنبى: «شوف كيف بنعانى»، الكل يسعل، الصدور تتعالى، فيبدأ النشطاء فى التفاعل بشكل أكبر من أهل القرية، ونحن معهم.