الجنسية مصدر صناعى مشتق من كلمة «جنس». والجنس فى اللغة يعنى الأصل، كما يطلق على الضرب من كل شىء. والجنس فى الكائنات الحية يطلق على الذكر أو الأنثى. والجمع أجناس وجنوس. والتجنس هو اكتساب الجنسية. والجنسية فى الاصطلاح العام تطلق على تلك العلاقة القانونية بين الإنسان ودولته. ويرجع الأصل التاريخى لفكرة «الجنسية» إلى فكرة الولاء التى كان يدين بها الإنسان فى العصور الوسطى للحاكم الإقطاعى أو للملك بصفته الشخصية، حيث كان الحاكم رئيساً للمحكومين بصفاتهم الشخصية، وتطور الفكر الإنسانى باحثا عن الكرامة، فظهر اتجاه يرفض تلك الرئاسة الشخصانية ليجعلها رئاسة للنظام وليس للأشخاص. وكانت البداية من فرنسا عندما استحدثت فكرة «الجنسية» بمعناها الحديث فى قانونهم سنة 1735م، ثم شاعت فى سائر دول العالم. وقد أثمرت فكرة «الجنسية» بمعناها الاصطلاحى القانونى عن ميلاد مصطلحين جديدين هما «المواطنة والمواطن». أما المواطنة فتكون بالحصول على جنسية الوطن بطريقة قانونية. وأما المواطن فهو الحاصل على جنسية الوطن، سواء أكان مقيماً فيه أم لم يكن. والمواطنة فى اللغة هى الاتفاق على أن يعيش مع غيره فى وطن واحد. تقول: وطن بالمكان، أى أقام به. والوطن أو الموطن هو مكان إقامة الإنسان ومقره، سواء أكان قد ولد فيه أم لم يكن. وتنص الدساتير فى مختلف الدول على حق المساواة بين المواطنين لدى القانون، وأنهم متساوون فى الحقوق والواجبات العامة لا تمييز بينهم فى ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين. وكان الرجاء أن تولد تلك الفكرة العبقرية من أحد الفقهاء المسلمين؛ لكمال دينهم وقدرته على تمكين أتباعه من إيجاد حلول إيجابية لكل ما يستحدث من عقبات، بل وفتح آفاق استشرافية لمستقبل الإنسان الحضارى، خاصة أن نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة مليئة بأوامر التعاون بين بنى البشر مسلمين وغير مسلمين فيما يخدم الإنسانية، ومن ذلك قوله تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا» (الحجرات: 13). وقوله تعالى: «ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» (المائدة: 2). وأخرج ابن هشام فى «سيرته» عن ابن إسحاق، أن النبى صلى الله عليه وسلم كتب ما يعرف بوثيقة المدينة، ويسميها بعض المعاصرين «دستور المدينة»، وفيها عهد على التقارب بين تسع قبائل أو تجمعات يهودية، وتقرر النصح بينهم وبين المسلمين على من حارب هذه الصحيفة وأنهم أمة واحدة من دون الناس وإن كان لليهود دينهم وللمسلمين دينهم. كما أن نصوص القرآن والسنة مليئة بالنواهى عن الفرقة والتعالى، ومن ذلك قوله تعالى: «ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين» (الأنفال: 46)، وقوله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا» (آل عمران: 103). وأخرج أبونعيم عن جابر، وأخرجه أحمد برجال ثقات عن أبى نضرة عمن سمع خطبة النبى صلى الله عليه وسلم فى وسط أيام التشريق فقال: «ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد. ألا لا فضل لعربى على أعجمى، ولا لعجمى على عربى، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى». كما نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن نصرة العصبية، وجعل النصرة للحق فيما أخرجه الشيخان عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً». قالوا: كيف ننصره ظالماً؟ قال: «تأخذ فوق يديه». وصدق الله حيث يقول: «يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى» (المائدة: 8). وإذا تجاوزنا فكرة تعيين الشخص الأولى بالابتكار لخدمة الإنسانية فإن أفضلنا هو من يحمى مكاسبها الحضارية. ومن أعظم تلك المكاسب فكرة المواطنة التى ترعى الحقوق العامة للجميع دون عصبية الدين أو غيره من العصبيات. ومما يؤسف له أن ظهرت أصوات تستهدف مبدأ المواطنة بإعلاء شأن العصبية الدينية، وتنادى تحت شعار حقوق الأقليات بحصة (كوتة) مناسبة لفصيل دينى فى المجالس الشعبية والمحلية، وهو فى نظرى قنبلة موقوتة تصيب أبناءنا وأحفادنا فى المستقبل بنار الفتنة الطائفية التى يعيشها أهل لبنان الشقيق منذ عقود، ويعجز عن حلها بسهولة؛ لخرق دستورهم مبدأ المواطنة والتنصيص فيه على حصص (الكوتة) لطوائف الشعب بأسمائها الدينية. إن مصر الكنانة تهيب بأبنائها البررة ومفكريها العظام ولجنة الخمسين المؤتمنين أن يجنبوها الفتن أو ما يؤدى إلى الفتن. لقد نجح أسلافنا منذ دستورهم الأول سنة1923م إلى دستور 2012م أن يجنبوه أى إشارة أو لفظة تقر الطائفية، فهل يقع فيها أبناء دستور 2013م. يجب على المفكرين والمبدعين المعاصرين أن يأتوا بحل يرضى جميع الأطراف فى العملية الانتخابية دون المساس بمبدأ المواطنة، وأن يكون التنافس بين المواطنين فى خدمة الإنسان المصرى فى نفسه وعقله وعرضه وماله. أما الدين فهو حق شخصانى، وهو خارج نطاق التحاكم البشرى؛ لأن محله القلب الذى لا يعرف حقيقته سوى الله، وصدق الله، حيث يقول: «فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى» (النجم: 32).