توجد العنصرية في عدة أوجه في المجتمعات العربية، وجميعها لها جذور اجتماعية وتاريخية ودينية قديمة. بعد سقوط صدام خرجت مظاهرة في البصرة للعراقيين السود الذين عانوا طويلا من التمييز العنصري المستتر. وفي السودان نجد أن سكان شمال السودان يطلقون لقب " عبد" على أبناء الجنوب، لمجرد أن جلدتهم أكثر سوادا منهم. وعائلات المواطنين السود في ليبيا ( وسوريا) يجدون صعوبة في الزواج من " بيضاء".وهناك العنصرية القبلية والقومية التي تعود بجذورها إلى الإيديولوجية الإسلامية التي حملتها قبائل الأعراب البدو من الجزيرة العربية، ونشرتها بيننا بحيث أعادت العصبة القبلية والقومية وأعاقت تكوين الأمة الوطنية، وعلى الأخص في سوريا والعراق، التي أصيبت بآفة القومية العربية، وعلى أساسها يجري التفريق بين الزوجين بسبب " عدم تكافئ النسب"، وذلك يحدث في دولة الشريعة السعودية تحديدا. وفي السعودية أيضا نجد أن أبناء الدم الأزرق يطلقون تعابير مثل "طرش بحر" أو " خضيري" على أبناء وطنهم الذين ينحدرون من الموالي، ( العبودية انتهت في السعودية رسميا عام 1962)، او المتجنسين والعمال الأجانب، كما يطلقونها على سكان الحجاز ( على إعتبارهم مخلفات حجاج). كما نراها في العنصرية والتمييز ضد الأمازيغ والطوارق (سكان المغرب الأصليين). وعلى الدوام نرى العصبية والتمييز والتعصب الديني ضد الأقليات الدينية الأخرى تنتهي بالتهجير والقتل في سوريا والعراق ومصر واليمن. ليس غريبا ان حتى فئات تعاني بذاتها من الاضطهاد، مثل الحوثيين يقومون بطرد عائلات من اليهود، انطلاقا من التمييز والتعصب الديني. وفقط في مصر يجري على الدوام الإعلان عن " إعتناق الفتيات القبط للإسلام" في حين لم نسمع عن اعتناق الفتيات المسيحيات اللبنانيات، مثلا، للإسلام. ألا يدل ذلك عن دور التأسد في الأسلمة؟ ثم لماذا الفتيات تحديدا؟العصبية القبلية أصبحت تسيطر حتى على طريقة تفكيرنا ورؤيتنا السياسية. نحن على الدوام نسعى لتبرير الأخطاء ورميها على أكتاف الآخرين. على الدوام نحن أبرياء ويتحمل المسؤولية مؤامرات خارجية. عندما تنتشر المعارك الطائفية، والتي تمتد جذورها الى ماقبل 1400 سنة، فإن سببها هو مؤامرة صهيونية أمريكية وقوى خارجية، وكأن المشكلة غريبة عن واقعنا او كأننا نملك برنامج وطني لمعالجتها. وعندما تشتعل المعارك القومية تصبح أيضا مؤامرة خارجية مدفوعة الأجر وكأننا نعيش في دول تحترم حقوق الأقليات وحقوق المواطنة ولاتقوم على التمييز والاستفزاز القومي والطائفي والديني والجنسي. دائما نجد من نعلق عليه أخطائنا، ونرفض رؤية الجذور الحقيقية للمعضلة في ثقافتنا التاريخية. ماهو دور الإسلام في العنصرية؟ جائنا الاسلام على متن رسول ينتمي لثقافة قبلية تقوم على الاعتزاز بالنسب والانتماء الأبوي وتمجيد رابطة الدم ورفع شأنها فوق اية رابطة أخرى، يقول:" أنا النبي لاكذب أنا ابن عبد المطلب".والثقافة القبلية تقوم على الاعتزاز ورفض الذم والنقد إلى حد القتل، ونفي النواقص بأي ثمن، ونصرة الأهل ظالما أو مظلوما، وهجو الآخرين والتشنيع بهم والتقليل من شأنهم حتى الثمالة، على إعتبار أن تسقيط كفة الآخرين يرفع من كفة الذات بالمقارنة، كما تتميز بازدراء العمل والحرف والتشجيع على سرقة إنتاج الآخرين وثروات العاملين تحت مفهوم الغزوة.. هذه الثقافة ازدادت وترسخت في العالم الإسلامي اليوم ونرى شيوع ممارستها في اغلب المجالات، ومنها مثلا قرارات المحاكم الشرعية في السعودية بفسخ الزواج على قاعدة " عدم تكافئ النسب". لابد من الإشارة إلى أن البعض يعترضون محتجين على وصم الإسلام بالعنصرية انطلاقا من بضعة أحاديث والآية التي تقول : ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) الحجرات/ 13 ومن الأحاديث نذكر:( لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمى على عربي ، ولا لأبيض على أسود . ولا لأسود على أبيض ، إلا بالتقوى ، الناس من آدم ، وآدم من تراب ) رواه الترمذي (3270) وحسنه الألباني وقد قد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي مالك الأشعري قول النبي صلى الله عليه وسلم : "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركوهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة" . (وعلى الرغم من تحقق نبوءة محمد في الفخر بالاحساب والطعن في الأنساب والنياحة، إلا انه اخطأ في الاستسقاء بالنجوم) وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر : "أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية" رواه الشيخان وروى ابو داود عن ابى هريره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (يابنى بياضه انكحوا ابا هند وانكحوا اليه ) وكان ابو هند حجاما قال الخطابى فى معالم السنن، ولكن الحديث موجه لبني بياضة وحدهم، ولايدل بالضرورة عن ان عليهم تنكيحه من أحرارهن، كما اننا لانعلم كيف تم التطبيق. وأبو هند كان مولى بني بياضه، واستخدم المالكي الحديث حجة والواقع أن الآية أعلاه تصف الأمور في مجال العلاقة بين الإنسان وربه، وليس بين البشر، فالاكرمية عند الله ، وليس على الأرض، والتقوى بضاعة الهية تقديرها إلى الإله وليس البشر. أما الأحاديث التي حاولت الغاء الحدود العنصرية، فضرورتها، على الأغلب، سياق سياسي وليس اجتماعي، إذ يتناقض مع العديد من الأحاديث والممارسات الأخرى الصادرة ، بما فيه عن محمد (ص) نفسه وعن نخبة من كبار الصحابة. التناقض في النصوص ان الإسلام ينفي كل نعرة جنسية أو عنصرية، فيرد البشرية كلها إلى أصل واحد، ويقرر أن لا فضل فيها لجنس دون جنس، ولا ميزة لعنصر دون عنصر، وأن اختلاف الألوان واللغات لا يدل على أفضلية، ولم يُرَدْ به إلا التعارف لا التناكر، وأن هناك ميزانا واحدا لتقدير الأفضلية هو تقوى الله وطاعته والعمل الصالح في عباده، وهي أمور شخصية لا علاقة لها بالأجناس والألوان، ويؤكد ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}،سورة الحجرات: 13. وقول رسوله الكريم صلى الله عليه و سلم : «لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى»- أخرجه الإمام أحمد في المسند 5/411، مرجع سابق، والطبراني في المعجم الأوسط 5/86، مرجع سابق، والبيهقي في شعب الإيمان 4/289، ط دار الكتب العلمية 1410 ه، تحقيق محمد السعيد بسيوني زغلول، والهيثمي في مجمع الزوائد 2/266، ط دار الريان، دار الكتاب العربي، القاهرة - بيروت 1407ه. فالمجتمع الإسلامي اذن يجب ان يكون غير عنصري ولا قومي، ولا هو قائم على الحدود الجغرافية، بل يجب ان يكون مجتمعا مفتوحا لجميع بني الإنسان، دون النظر إلى جنس أو لون أو لغة، بل دون النظر إلى دين أو عقيدة. وبذلك فان القران الذي هو الدستور الاعظم لهذه الامة ينفي تماما فكرة التمييز العنصري منذ اللحظة الأولى، ويفتح أبوابه للبشر جميعا على قدم المساواة الكاملة، وعلى أساس الشعور الإنساني الخالص، ومن ثم تملك جميع الأجناس البشرية وجميع الألوان وجميع اللغات أن تجتمع في حمى الإسلام، وفي ظل نظامه الاجتماعي وهي تحس آصرة واحدة تربط بينها جميعا، آصرة الإنسانية التي لا تفرق بين أسود وأبيض، ولا بين شمالي وجنوبي، ولا بين شرقي وغربي؛ لأنهم جميعا يلتقون عند الرابطة الإنسانية الكبرى، وهو ما تؤكد عليه الآية القرآنية الكريمة:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء}سورة النساء: 1.، ويؤكد عليه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم : «ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية»رواه أبو داود 4/333، كتاب الأدب، باب في العصبية ح (5121). إن الإسلام لا يعرف حدودا إقليمية و لا حدودا للأجناس والألوان, فالأرض لله جميعا, وقد خلقها بما فيها لهذا المخلوق الإنسان، دون تفرقة بين نوعه وجنسه ولونه وعقيدته، يقول تعالى:{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}سورة البقرة: 30. فعلى المسلم إذن أن لا يميز في المعاملة بين الأشخاص بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو الجنسية، أو الدين أو الرأي أو المركز الاجتماعي، وأن لايستعمل العنف ضدهم، وألا يخاطبهم بألفاظ مهينة أو بذيئة,فكل الناس سواسية والميزان الواحد للتمييز بينهم هو تقوى الله والله الأعلم بالمتقين. -- كاتب المقال دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية عضو والخبير بالمعهد العربي الأوروبي للدراسات الإستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية