الجنسية بمعناها الاصطلاحي هي تلك العلاقة المحددة بالقانون بين الفرد والدولة وتشمل هذه العلاقة روابط سياسية وقانونية واجتماعية بحيث يكون ولاء الفرد للدولة وليس لشخص الحاكم وتكون الدولة مسئولة عن حماية الفرد في نفسه وماله في مواجهة الدول الأخري ويكون للأفراد حق المساواة في الحقوق والواجبات العامة فيما يعرف بحق المواطنة الذي لا يميز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين أو العقيدة. وعندما ظهرت هذه القضية الفقهية لأول مرة في البلاد الإسلامية أوائل القرن العشرين بعد سقوط الخلافة العثمانية كان من الطبيعي أن تختلف الرؤي الفقهية رحمة بالأمة فقد أخرج الخطيب البغدادي أن الإمام مالك عندما انتهي من تأليف كتابه "الموطأ" أهدي منه نسخة لهارون الرشيد. فأعجبه. وأراد أن يعممه علي الناس. فقال هارون: يا أبا عبدالله نكتب هذا الكتاب ونحمل الناس عليه ونفرقه في آفاق الإسلام لنحمل عليه الأمة فقال الإمام مالك: يا أمير المؤمنين إن اختلاف العلماء رحمة من الله تعالي علي هذه الأمة كل يتبع ما صح عنده وكلهم علي هدي وكل يريد الله تعالي. وقد رفض فكرة الجنسية أو المواطنة عدد غير قليل من فقهاء المسلمين وعلمائهم علي مدار القرن العشرين ومن أشهرهم الشيخ محمود شلتوت والشيخ أبوزهرة والشيخ محمد ناصر الدين الألباني والأستاذ سيد قطب. وغيرهم. وكان من أدلتهم: "1" أن فكرة الجنسية أو المواطنة من المستحدثات والبدع التي ورد النهي عنها فيما أخرجه الشيخان عن عائشة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه وفي رواية منه فهو رد". وأخرجه مسلم بلفظ آخر: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد". وأخرج مسلم عن جابر بن عبدالله أن النبي صلي الله عليه وسلم كان إذا خطب يقول: "أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة". ويمكن الجواب عن ذلك: بأن المنهي عنه هو الإحداث في الدين أو الخروج عن مقاصده. أما الإحداث لتمكين الدين وتحقيق مقاصده فهو من التجديد الممدوح شرعاً. لما أخرجه أبوداود عن أبي هريرة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها". وإذا عرفنا بأن الجنسية أو المواطنة قد تحقق بها المعيار المرضي لاقتسام الحقوق والواجبات والتراضي أمارة العدل. والعدل هو مقصد الشرع الأول في الحكم. فإننا بالجنسية أو المواطنة نكون قد أبدعنا وأحسنا ولم نبتدع ولم نستحدث في الدين. قال تعالي: "إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلي أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل" "النساء:58". وقال تعالي: "ولا يجرمنكم شنئان قوم علي أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي" "المائدة:8".