سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
«محمد محمود».. الذكرى التى أصبحت حدثاً أهالى المنطقة: مش خايفين زى السنة اللى فاتت.. والبركة فى «السيسى».. ومديرة مدرسة «الليسيه»: أبوابنا مصفّحة لا يخترقها الرصاص.. لكن العمل سيكون نصف يوم
يتبدل الحكام وتبقى وجوه من ماتوا كما هى، تعود من عام لآخر، وتأخذ معها وجوهاً جديدة، لم يعد سكان «محمد محمود» يتحملون دماء جديدة تسيل فى شارعهم، غادره سكانه وفارقه زواره فتحوّل الشارع الشهير إلى «باركينج كبير» إلى أن أتى الدور على السيارات كذلك فغادرته هى الأخرى، بينما بقيت «أم هبة» تنادى على القلة الباقية منها بقلب أثقلته هموم 3 سنوات وصوت بُح من كثرة النداء على مجهول لا يأتى أبداً: «بقالى 20 سنة فى باركينج الجامعة الأمريكية ما شُفتش أسود من يوم 19 نوفمبر، صعب قوى إنك تبقى مستنى يوم وعارف إنه مش هيعدى على خير، وممكن الناس تموت قدامك وانت مش عارف تعملها حاجة». على حالها وقفت «أم هبة»، تركن سيارات المارة كعادتها يومياً: «السنة دى أنا متفائلة خير، مش زى السنة اللى فاتت، كان قلبى مقبوض، وكنت متوقعة أن اليوم مش هيعدى.. لكن النهارده مطمنة ومش قلقانة». تتذكر «أم هبة» 19 نوفمبر 2012: «السنة اللى فاتت نزلت فى ميعادى من البيت الساعة 6 الصبح وع الساعة 10 كان الشارع بيولع وروّحت وفضلت 22 يوم فى البيت.. لكن النهارده قلبى بيقولى إن الثلاثاء هيعدى وهييجى الأربع وننزل شغلنا عادى، والشارع هيتملى عربيات من تانى، ويمكن مايبقاش الشارع بس، يمكن الميدان كمان.. ربنا قادر على كل شىء». «محمد محمود» الأولى ثم الثانية ثم ها هى الثالثة تدق على الأبواب، أبواب أغلقها أصحابها هرباً من خراب حل بهم، أبواب أمل أوصدت فى وجه معظم أصحاب المحلات، وحتى «الفتارين» فى «محمد محمود» كما هى حال «عم حسن السنوسى» الذى ما زال يحتفظ بصورة التقطها للفاترينة صبيحة يوم 20 نوفمبر 2011 بعد أن أفرغ البلطجية محتوياتها وتركوها خاوية إلا من أرففها، ومن وقتها لم يعد الحاج حسن يصدق وعود الحكومة بالأمن والأمان: «كل ما أبقى عارف أنه ممكن يحصل قلق، بالمّ البضاعة. وعملت كده السنة اللى فاتت وهاعمل برضو السنة دى كده»، «عم حسن» لن يغامر بالفاترينة هذه المرة ولكنه لن يخشى أن يغامر بحياته: «مش هانزّل البضاعة بس هانزل أنا أشوف إيه اللى هيحصل، أنا متفائل السنة دى بالسيسى، راجل وعرف إزاى يحزم البلد». شارع محمد محمود هذه المرة قرر ألا يغلق أبوابه وقررت معظم محاله أن تبقى صامدة فى وجه من يريد تخريبها «إحنا كلنا اتفقنا ننقل البضاعة التقيلة اللى هنخاف عليها بس هنفتح برضو» يؤكد محمد محمد حسنين صاحب أقدم محل طيور فى مصر: «أنا ماينفعش أقفل المحل، عندى أرواح هنا لازم تاكل وتشرب»، تاجر الحيوانات الذى خسر بضاعة بما يقارب ال120 ألف جنيه فى «محمد محمود» الأولى والثانية لا يملك من الأمر شيئاً هذه المرة «أنا هانقل العصافير بس، لكن السمك هاوديه فين؟ وبقالى أسبوعين مش باجيب قطط ولا كلاب عشان عامل حساب اليوم ده»، بسبب قنابل الغاز نفق قبل عام من اليوم كل الطيور والأسماك فى المحل التاريخى: «إحنا نقدر نستحمل أهو بنتعب شوية خلاص، لكن الحيوانات دى رقيقة ومابتستحملش اللى بيعمله البنى آدمين فى بعض». بضحكة بريئة يخرج الطفل «زكريا» من مدرسته، دخلها هذا العام لأول مرة، فلم تحمل ذاكرته مأساة العام الماضى، وما حدث «لمدرسة الليسيه»، حرص والده ووالدته أن يصطحباه اليوم من المدرسة «لا مش هييجى بكرة.. ماحدش ضامن إيه اللى ممكن يحصل، أنا مش خايف من الإخوان أنا خايف من ارتعاش الحكومة»، بابتسامة تملأها الثقة لا يخشى «زكريا» الصغير من مخاوف والده: «كنت عايز آجى مع أصحابى».. لم يبقَ من آثار تدمير «الليسيه» العام الماضى سوى تلك التى انغرست فى عقول المدرسين والتلاميذ وقلوبهم: «نضفنا الحيطان واللى اتحرق رممناه.. لكن مين هيرمم الفزع اللى حصلنا يومها ويقدر يطمن أولياء الأمور أن اللى حصل مش هيتكرر»، تتحدث نجوى الشرنوبى مديرة المدرسة، عن التأمينات حول المدرسة: «أبوابنا كلها حديد مصفح بعد ما اتجددت، يعنى حتى الرصاص ما يخترقهاش وزيادة فى التأمين عملنا مصدات خشب تقيلة وراء الباب لزيادة التأمين»، مؤكدة أن اليوم الثلاثاء هو يوم عمل طبيعى بالنسبة للمدرسة «لكن مش هنشرح حاجة جديدة علشان لو فيه طلبة مش عايزة تيجى، مع العلم أن مواعيد خروج الطلبة والموظفين هتبقى الساعة 12، يعنى بدرى ساعتين عن الميعاد»، حالة ارتباك سبّبتها ذكرى «محمد محمود» لوزارة التربية والتعليم: «الوزارة مابقتش عارفة تدينا إجازة ولا لأ بس فى النهاية المديرية نبهت أننا مش إجازة بس نشتغل بنصف طاقة وغرف عمليات».