بعد أحداث 25 يناير، انفجرت بلاعة مصر، وانطلقت منها كل الأمراض والأوبئة والحشرات التى ترعرعت يرقاتها على يد أنور السادات فى النصف الثانى من سبعينات القرن الماضى. وكان أخطر ما خرج من البلاعة عفريت الإسلام السياسى الذى أعاد إلينا ما قرأناه فى كتب التاريخ عن فساد الكنيسة الكاثوليكية الأوروبية وإرهابها ودمويتها وحروبها باسم الدين فى العصور الوسطى. وساهمت بلاهة القوى الثورية وغباؤها، بالتعاون مع النخبة السياسية الشائخة، فى استيلاء تيار الإسلام السياسى على السلطة بتخطيط ودعم أمريكى إسرائيلى، وهكذا اجتاحت شوارع مصر جحافل الجلابيب البيضاء واللحى، وتحول المشايخ ومعهم القساوسة عن إمامة الصلاة إلى الحديث فى السياسة وشئون الحكم وتكفير الشعب. وبمرور الوقت صار رجال «كاميليا» هم الذين يقودون مصر، من خلال أحزاب تابعة للإخوان والسلفيين والميليشيات الإرهابية التابعة لتنظيمات التكفيريين والقاعدة والجماعة الإسلامية والصوفية. وكانت مهمة هذه الأحزاب باختصار شديد، تنفيذ ما تريده أمريكا: إلهاء الشعب المصرى فى حالة فتنة مستمرة، مسخ هوية الدولة، نشر حالة الفوضى وتغييب القانون، تفتيت الجيش وإضعافه. ومن الخطأ القول إن الإخوان حكموا مصر 12 شهراً تحت اسم محمد مرسى، فالحقيقة أنهم وأعوانهم من رجال كاميليا يحكمون البلاد منذ يوم 20 مارس التالى للاستفتاء على إعلان «طنطاوى»، أى أن فترة الظلام تحت سيطرة الإسلام السياسى استمرت نحو 27 شهراً. وفى يوم 3 يوليو 2013، وسط أفراح الشعب باستعادة دولته، مرّ المشهد الكارثى مرور الكرام على الجميع، وهو مشهد المنصة التى أعلن من خلالها الفريق أول عبدالفتاح السيسى تحرير مصر من حكم رجال كاميليا. والآن بعد مرور 4 أشهر على هذا اليوم، ينبغى علينا أن نعترف أننا كنا أغبياء ولم نر الحقيقة وسط دموع الفرحة التى وضعت على عيوننا غشاوة. فى البداية فسرنا ظهور أحد رجال كاميليا ممثلاً لحزب النور على المنصة بأنه ذكاء حتى لا يقال إن هناك عملية إقصاء وانتقام من تيار الإسلام السياسى، وباركنا وجود شيخ الأزهر والبطريرك، حتى يرى العالم أن أكبر مؤسستين دينيتين فى مصر تؤيدان خارطة الطريق. والحقيقة أن تلك كانت بداية المصيبة، لأننا بصمنا يومها على أحقية الأزهر والكنيسة فى التدخل فى السياسة، وبصمنا على استمرار وجود رجال كاميليا وأحزابها فى الساحة، يحرمون ما شاء الإخوان ويحلون ما شاء الإخوان. لم ننتبه إلى أن الخطوة الأولى فى طريق الديمقراطية أن يلتزم الشيخ مسجده، والقسيس كنيسته، مع إقصاء كل أحزاب الإسلام السياسى ورجال كاميليا عن المشهد برمته. هؤلاء الثلاثة هم الذين أفسدوا الدستور قبل أن يبدأ، وهم أنفسهم الذين سيقضون على كل بادرة أمل فى تأسيس دولة مدنية ديمقراطية حرة، وما دام هؤلاء يشاركون فى صياغة مستقبلنا، فليس هناك مستقبل، وسنظل دائماً بحاجة إلى «نقطة ومن أول السطر».