كتبت فى جريدة «تافيستوك تايمز» الصادرة عن جامعة لندن، أشكو إهمال دراسة الشرق الأوسط (باستثناء إسرائيل وتركيا) فى المراكز العلمية والصحفية بالغرب؛ تلك الظاهرة التى بمؤداها يتخذ الرأى العام الغربى مواقفه تجاه الشرق الأوسط على أساس سطحى، وأحيانا موجه. مشكوراً، أرسل لى المدير الأكاديمى للجامعة وأعطانى من وقته الثمين أكثر من نصف ساعة لمناقشة الظاهرة، وهو ما إن دل على شىء إلى جانب دماثة خلقه، يدل على اهتمام القيادة الأكاديمية فى لندن بإيجاد سبل لحل أزمة التواصل مع الشرق الأوسط. وبقدر ما أعجبنى اللقاء بقدر ما أصابنى من قلق؛ لأنى تفهمت خلاله أن الأزمة ليست أزمة «إرادة» قد تحل من خلال تعديل النوايا، بل أزمة «إمكانية»، إلا أن اللقاء أيضاً ألهمنى بمبادرة حل سأعرضها عليكم بعد عرض الأزمة. تطورات الشرق الأوسط العقد الماضى جذبت الكثير من الأقلام الباحثة فى الغرب. لكن الأزمة كانت دائماً وأبداً من أين يأتى الباحث بالمعلومة الموثوقة؛ وهى أزمة ثلاثية الأبعاد. البعد الأول هو أن أغلب الباحثين «الشرق-أوسطيين» فى الغرب انقطعت صلتهم ببلدانهم الأصلية ومن ثم لم يعودوا مصادر «شرق أوسطية». البعد الثانى هو أن المثقفين المحليين أغلبهم لا يعرفون لغات أجنبية، ومن ثم لا يكتبون بلغات الغرب ولا يستطيعون متابعة الغرب بالقدر الكافى الذى يعطيهم المجال لفهم ثقافتهم وفتح سبل للتواصل معهم. من الممكن أن نستشف من هذين البعدين لماذا استطاع جيل شباب ثورة 25 يناير هزيمة الإعلام التقليدى للدولة فى التواصل مع الغرب. لكن هؤلاء الشباب الجليل هواة فى النهاية، قد يستطيعون أن يعطوا لمحة عامة للقارئ الغربى عن الأحداث، لكن يستحيل أن يؤسس منظارا فكريا بناءً على رؤيتهم وحدهم للمشهد. تبقى إذن نافذة الشرق الأوسط على الرأى العام الغربى حكراً لإسرائيل وتركيا. الحلول بعيدة المدى فى الاهتمام بمراكز الأبحاث المصرية، وتوأمة الصحف المصرية مع صحف الغرب، وتبادل البعثات، وتعليم اللغات، وخلافه؛ وهى حلول تتلخص فى إيجاد آليات اتصال جديدة. أما الحل قصير المدى فهو تفعيل الآليات الموجودة، من خلال تسهيل الاتصال بين كتاب الداخل وقراء الخارج، والعكس أيضاً. كلمة السر هنا هى الترجمة. اقرأ فى تاريخ الحضارات الحديثة وستجد أن كلها بدأت انطلاقتها من الترجمة، هذه المهمة البسيطة جداً بالنسبة لمتحدث اللغة والقيمة جداً لكل من الكاتب والقارئ. إذا استطاع القارئ الغربى أن يقرأ «منا» بدلاً من «عنا» ستكون نقطة تحول فى علاقتنا بالرأى العام العالمى. كما أن مثقفينا إذا استطاعوا أن يطلعوا على مؤشرات الرأى العام الغربى ويتفهموا ثقافته سيزيد ذلك من قدرتهم على التواصل معه. آخر حركات الترجمة التى تستحق الذكر هى حركة نجيب محفوظ منذ ما يقرب من ثلاثة عقود. المجتمع العالمى تغير تماماً. فتوات الحوارى وسى السيد بقدر ما عبروا بإبداع عن مصر فى هذا العصر بقدر ما فقدوا الاتساق مع واقع مصر اليوم. أيضاً كتب كيسنجر وترومان وتوجهات ثاتشر لا تعبر عن غرب اليوم. كل ساعة تنشر كتب ومقالات بالمئات على الجانبين وكأن طرفين يتحدثان لبعض بلغات مختلفة، ولا أحد يعى ماذا يقول الآخر. من هنا أعلن عن مبادرة لبدء موجة جديدة من حركة الترجمة، لكى لا نظل أسرى الخطابين الإسرائيلى والتركى للغرب.