سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
محمد توفيق عن "الخال": السيرة الذاتية فن صعب.. و"الأبنودي" لم يكن يحب "السادات" و"أم كلثوم" لديّ أكثر من 20 شخصية أريد كتابة سيرتهم منهم "أمل دنقل" و"فتحي غانم" و"يوسف إدريس"
سبعة عقود وأكثر والحياة لا ترحم ولا تكف عن الاشتباك، تتوالى فيصنع القادرون على المواجهة وحدهم التاريخ، يحك الزمن جسده بنتوءات الحياة فتتولد الصراعات مريرة وينطلق الصراخ صاخبا مصحوبا بالشرر. يرعى عبدالرحمن الأبنودي الغنم في بلدة لا تعرف الأحذية، يستحيل شاعرا بدلا من لص كانت بذرته في حديقة الرّمان المجاورة لمنزله، يُسجن انفراديا لعضويته في تنظيم شيوعي، وفي تلك الأقبية المظلمة التي تشتد إيغالا في باطن الأرض، يغني لفيروز، لئلا يُطمر الصوت المعتاد على القول، يعاصر الرؤساء، يهاجم أحدهم حاكما ويمتدحه ميتا، يعارض من يليه، بينما يحاول هو ضمه إلى كنفه. تلك هي الحكايا التي يزخر بها كتاب "الخال"، للكاتب الصحفي محمد توفيق، والصادر حديثا عن دار "المصري للنشر والتوزيع"، والذي صمم غلافه عبدالرحمن الصواف، مع صورة فوتوغرافية للفنان أحمد جمعة، حيث يحكي الخال لتوفيق الذي حاوره على مدى عام كامل، قصصه الآسرة، وتجاربه المليئة بمفارقات وعداءات ونجاحات ومواقف مدهشة، من كُتّاب الشيخ إمبارك حتى لقاءاته بالسادات وعبدالحليم حافظ، صاغها توفيق سردا ممتعا. "الوطن" حاورته حول الكتاب، فإلى نص الحوار.. * يقول ناشرون إن السيَر الذاتية غير محببة لدى أغلب القراء، ما رأيك؟ - هناك مشكلة في أدب السيرة الذاتية في مصر، أنها تعاني من أمرين: أولهما أن على كاتب السيرة الذاتية إيثار المكتوب عنه على نفسه، وهو أمر غير محبب للكتّاب، حيث يجد الكاتب نفسه منخرطا في الكتابة عن شخص آخر غيره، يعرض أفكار هذا الآخر ويناقش رؤيته، فكلما كنت معبرا عنه بدقة كلما كنت صادقا فيما تفعل، فلا يهم أن تتفق أو تختلف مع الشخص، عليك أن تنقل رؤيته، الأمر الثاني هو أنك في حاجة إلى كم كبير من المعلومات لكي تقول رأيك فيه بوضوح، وهذا يحتاج إلى جهد ضخم، يتطلب الأمر إلماما حقيقيا بالمكتوب عنه، فيجب أن تقرأ كل ما كُتب عنه أو أغلبه، وكذلك ما كتبه هو. * ما هي مراحل الكتابة؟ السيرة الذاتية تأخذ وقتا أطول، أمضيت عاما كاملا في العمل على "الخال"، في حين أن كتبي الأخرى مثل "الغباء السياسي" أنهيتها في ستة أشهر فقط، والسؤال هنا: "لديك رسالة أم أنك تريد أن يصبح الكتاب بيست سيلر والسلام؟"، أما أنا فمقتنع بما أفعل جدا وسعيد بتجارب السيرة الذاتية. * تجربتك الثالثة بعد أحمد رجب وصلاح جاهين، هل تكتب السيرة الذاتية لولعك بها، أم أن الشخصيات هي التي تحرضك؟ - الاثنين معا، فأنا أحب من أكتب عنهم، والأبنودي معضلة، طوال الوقت على علاقة مباشرة مع الناس والإعلام ولديه رؤية واضحة لما يحدث، كما كان شديد التواضع واجتماعيا جدا، هذا يسبب لي مشكلة في كتابة سيرته، لأن كل حكايات الخال مطروحة ومعروفة. كان هذا هو التحدي، أن تقرأ كل ما كُتب لتكشف أنت الحكايات المخبئة، فعلى سبيل المثال يرصد الكتاب علاقته بالسادات وأم كلثوم وأول لقاء بعبدالحليم حافظ، وكذلك علاقته بنزار قباني ومحمود درويش، كما أنه كان صديقا ليوسف إدريس ونجيب محفوظ معا. * تكتب بعض السيَر روائيا - كما في سُرور - أو على هيئة حوارات صحفية، وتكتب أيضا سرديا، كيف تكتبها؟ - أكتبها سرديا لا روائيا. الإطار الروائي يعطي الكاتب الحرية في اختلاق التفاصيل، لن يكون الروائي مضطرا للرجوع إلى أسرته ولن يعاني من اعتراضاتهم على بعض التفاصيل أو الجمل، وهناك خطأ شائع لاحظته عندما كنت أكتب سيرة صلاح جاهين. جاهين الذي في المسلسلات والأفلام - باستثناء فيلم "حليم" - ليس جاهين الحقيقي، دائما ما يظهر في صورة "معلّم في المدبح"، رغم أنه مثقف كبير جدا وعلامة من علامات مصر، وهذا ما قد يعيب السير، أنها تشوّه الأشخاص أحيانا. * كيف ولدت فكرة "الخال"؟ - الفكرة جاءتني مرتان، الأولى وأنا في الجامعة والثانية في أواخر 2011، كنت قد تعرفت على الأبنودي في مايو 2011 أثناء نشر قصيدة "لسة النظام ماسقطش" في جريدة التحرير، وقتها بدأت في التفكير عما يمكن كتابته عن هذا الرجل، فاكتشفت أنني وضعت تصورا لسيرته من 10 سنوات، فكانت الفكرة مستقرة في ذهني. * لماذا الأبنودي؟ - لأسباب كثير جدا، أولا لأنه حالة مختلفة لا تستطيع تصنيفه وحبسه في هذا التصنيف، هو الشاعر الأغزر إنتاجا ويمتلك مكانة كبيرة، أذكر أنه قيل لمحمود درويش في تونس "أنت شاعر الوطن العربي الأول"، فرد قائلا "ماينفعش والأبنودي عايش". أرى أن مصر لديها ثروة قومية وأجيال عظيمة من الشعراء، ومع ذلك فإننا نجتهد في البحث عن السلبيات ونقاط الضعف. قررت أن أرصد كيف نجح هؤلاء وكيف سارت حياتهم، ولأنه ملهم للأجيال الحالية في إبداعه وقدرته على العطاء، فهو متواجد بإنتاجه الشعري لا بكلامه، خصوصا أننا رأينا في الفترة الأخيرة أشخاصا صنعهم التلفزيون - يضحك - "مفكّر تلفزيوني.. على رأي أحمد رجب". * كيف استقبل الخال الفكرة؟ - تمام كما رأيت بساطته في التعامل مع الناس. كان في منتهى الترحاب رغم أنني أرهقته كثيرا، فقد كنت مشغولا بالصورة الأخرى له والحكايات التي لم تروَ، كنت مهتما بحكاياته عن هؤلاء الذين لا يحبهم واستخلاص الدراما منها، فمن أكثر العلاقات دراما علاقته بالسادات وأم كلثوم. * كيف؟ - 3 مرات أم كلثوم تطلب غناء كلماته وهو يرفض لأسباب مختلفة، المرة الأولى كانت في أغنية "براحة يا حبيبي" التي كتبها لإذاعة الكويت، الكلمات أعجبتها جدا، بينما رأى أن الأغنية لا تليق باسميهما فرفض، فتعاملت أم كلثوم مع الأمر على أن الأبنودي "مش عايزها تغنيله". الثانية في أغنية عن حرب اليمن وكان قد أعطاها لعبدالعظيم عبدالحق، وهو صديقه، طلبتها منه أيضا إلا أنه رفض قائلا: "ماينفعش أبيع صاحبي". الثالثة في حرب أكتوبر في إحدى الأغاني التي كتبها لعبدالحليم، طلبتها أثناء تواجد - حليم وبليغ حمدي وكمال الطويل والأبنودي - في الاستوديو، رفض وكانت قطيعة أبدية، وكذلك لم يكن يحب السادات على الإطلاق. * لماذا لا يحب الأبنودي أم كلثوم؟ - لم يكن يحبها لأسباب فنية، وكان "بيتلكك" وفي نفس الوقت الظروف لم تسمح بالتعاون بينهما، أنا عن نفسي انحزت لأم كلثوم في الكتاب، سبب عدم محبته لها أنه يرى أنها مغرورة، على عكس عبدالحليم الذي كان صديقه، ففي أول زيارة لمنزل عبدالحليم، رأى أحد دواوينه إلى جانب سريره، ولم تكن العلاقة علاقة شاعر بفنان، وهذا أسعده. * هل لديك مشاريع أخرى في السيرة الذاتية؟ - لديّ تصور كبير للسيرة الذاتية في مصر، هناك قائمة طويلة تفوق العشرين كاتبا أريد أن أكتب عنهم تحت عنوان "أولياء الكتابة الصالحين"، مجموعة كبيرة منهم يوسف إدريس، محمود عوض، فتحي غانم، وأمل دنقل، أريد أن أكتب سيرة كل منهم في كتاب منفرد.