توفيق حنا اسم يعرفه جيدا ابناء جيلي الخمسينيات والستينيات في الثقافة المصرية، حيث برز هذا الاسم علي صفحات المجلات الثقافية والأدبية في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي من خلال متابعاته النقدية علي صفحات «الآداب البيروتية» و«الرسالة» و«الشهر» و«الهلال» وغيرها. لم يفكر «توفيق حنا» الذي اكتشف في فترة عمله كمدرس في مدينة قنا- في نهاية الخمسينيات- الشاعرين عبد الرحمن الأبنودي وأمل دنقل وهما من تلاميذه في المدرسة، لم يفكر في أن يجمع مقالاته في كتاب - عبر رحلته في الكتابة والتي تجاوزت الخمسين عاما، لكنه بعد تلك الفترة الطويلة خرج عن صمته ليصدر كتاب «الصمت والكلمات».. مبدعون جسدوا عبقرية مصر» بمقدمة للشاعر عبد الرحمن الابنودي تحت عنوان «توفيق حنا.. استاذنا.. عاشق القرية المصرية» وفيها يسرد الابنودي حكاية تعرفه علي العوالم الثرية في شخصية توفيق حنا حيث يقول: «كان الاستاذ توفيق حنا هو الكتاب الذي قرأناه في تلك الفترة - يقصد بداية التكوين الثقافي والمعرفي- منذ نصف قرن، هبط بيننا كالمبشر الذي قرر ان يهدي شعب الغابة الي النور الذي لا ينطفئ. كنا مجموعة من نابهين موهوبين فقيري الثقافة، الواقع يحاصر بلا رحمة، الحياة الاجتماعية، بْعد المكان الذي كان يبدو كالمنفي، ندرة الكتب أو المال الذي يأتي بهما صاغرا إلي عالمنا البعيد البعيد». ثم يستعرض الابنودي جزءا من اهتمامات «حنا» في تلك الفترة وهي اهتمامه بالقرية المصرية قائلا: «فجأة اكتشفنا ذلك الاستاذ المختلف، أو اكتشفنا هو ليلتقطنا كلا علي حدة فتتحقق أخوة ما سعي إليها معلم من قبل في حياتنا الدراسية راح يحدثنا عن القرية المصرية- كان يعرف عددها وكم أهولنا الرقم في زمن لم نكن رأينا فيه حتي قري بعضنا البعض رغم صداقة أهالينا». ويعترف الابنودي بأن «حنا» هو أول من نشر له قصائده في مجلة «الشهر» وأول من قدمه في «رابطة الأدب الحديث» و«جمعية الأدباء» و«نادي القصة» وغيرها من المنتديات الأدبية. يقول الأبنودي: «بل لا أبالغ أن استاذ المدرسة الثانوية هو الذي دفع بي دون أن يدري أن أطارد شعراء الرباب والسير الشعبية لثلاثين عاما وأكثر لجمع «السيرة الهلالية» وقبل كل ذلك وبعده، فإن أستاذنا «توفيق حنا» هو الذي تسبب في بداية شهرتنا، هو الذي أطلق الشرارة الأولي». ويتضمن كتاب «توفيق حنا» مجموعة من البورتريهات الأدبية عن «نجيب محفوظ»، و«يحيي حقي»، و«طه حسين» ، وبشر فارس، وصلاح جاهين، ومحمد تيمور، ويوسف إدريس ، ومحمد سلامة آدم، وعبد الرحمن الأبنودي، وروزاليوسف، وبهاء طاهر، وسلامة موسي، وتوفيق الحكيم، والعقاد، ويحيي الطاهر عبد الله، وعبد الحكيم قاسم، وملك عبد العزيز وغيرهم. لوحات أدبية ولعل المؤلف قد بين المقصود من كتابه حين قال : «في هذا الكتاب تحضرني كلمات الشاعر صلاح جاهين في رائعته «تراب ودخان» «وأديني ماشي لوحدي في الشارع/ معرفش رايح فين/ لاكين ماشي../ والليل علينا وعالبلد غاشي../ ولاقيت في جيبي قلم/ كتبت به.. / غنوة عذاب». وقد وجدت في جيبي هذا القلم الذي سجلت به هذه اللوحات التي تقدم هذا الحشد من مبدعي مصر الذين جسدوا عبقريتها شعرا أو نثرا وتشكيلا وموسيقي». وإذا كان توفيق حنا يحاول الاقتراب من شخصية من يكتب عنه فإنه يقترب أكثر من تخوم الرؤية لدي تلك الشخصية بلغة مبسطة وسهلة، تقرب أفكار تلك الشخصية من القارئ، مقدما عبر تلك الكتابة ما يمكن أن نسميه بتمايزات الشخصية المصرية في تجلياتها المختلفة، ففي الجانب الفكري العقلاني تبرز شخصية سلامة موسي. والذي يقول عنه حنا في كتابه : «كان سلامة موسي يهدف إلي إعادة الثقة إلي كل افراد هذا الشعب المصري العظيم صابغ الحضارة - في كتابه «مصر أصل الحضارة، والصادر عام 1935- والي الإسهام - من جديد- في بناء حضارة الإنسان.. هنا والآن». وفي الجانب الاجتماعي تبرز شخصية «روزاليوسف » والتي يقول عنها المؤلف : «هناك علاقة وثيقة في شخصية روزاليوسف بين الفكر والعمل وبين الحلم والواقع.. وبين التصور والتحقق». ويكتب عن الفنان التشكيلي الرائد حامد عويس قائلا: هو رائد الواقعية الاشتراكية في التصوير المصري المعاصر في اعماله يشرق الأمل دائما في كل الوجود ، إنه ملحمة تزرع في الحياة تفاؤلا بغد سيكون أفضل من الأمس واليوم». حارة محفوظ ويأخذ نجيب محفوظ وأعماله المختلفة حيزا كبيرا من الكتاب نظرا للصداقة الطويلة التي ربطت بين توفيق حنا ومحفوظ واستمرت لأكثر من ستين عاما. فيكتب «حنا» عن «أولاد حارتنا» و«اصداء السيرة الذاتية» و«نماذج مصرية في أعمال محفوظ» حيث يركز في المقال الأخير علي قيمة الصداقة في أعمال أديب نوبل الكبير مؤكدا انه في اعمال محفوظ - وفي حياته ايضا- يتردد لحنان رئيسيان هما: الصداقة والوفاء ونجد ذلك متحققا في الثلاثية. كما يكتب «حنا» عن «عصفور من الشرق» لتوفيق الحكيم متلمسا الجانب الفلسفي في شخصية الحكيم وسلوكه الإنساني، كما يكتب عن رواية «نقطة النور» لبهاء طاهر ورواية «رن» لجمال الغيطاني، ورواية «زمردة أيوب» لبدر الديب. والرواية الأخيرة التي لم تكتمل لعبد الحكيم قاسم «كفر سيدي سالم». وغيرها من الاعمال القصصية الروائية. كما نجد كتابة أخري عن رواد الموسيقي العربية أمثال زكريا أحمد وسيد درويش وأم كلثوم ، بالاضافة إلي بورتريهين للفنانين التشكيليين صبري راغب وحامد عويس. ومن الملاحظ في الكتاب أنه يهتم بجيل الستينيات مع إبراز أهم مميزاته ومنطلقاته الإبداعية، ربما لقرب المؤلف من ابناء هذا الجيل الذي قدم اضافة نوعية لحركة الادب والثقافة المصرية.