«ليتك تحلو والحياة مريرة.. وليتك ترضى والأنام غضاب» قد يخطر على بالك ذلك البيت من أشعار رابعة العدوية، حين تعبر بجوار مسجدها الشهير الذى يحمل اسمها فى مدينة نصر، ذلك المكان الذى تشهد جدرانه على مخططات جماعة الإخوان المسلمين عقب عزل الرئيس محمد مرسى من منصبه، هنا تجمع الآلاف من أعضاء الجماعة، وهنا نصبوا المنصة الكبرى التى اشتهرت باسم «منصة رابعة» لتكون بوقاً للتنديد بمصر وجيشها وشعبها الذى خرج مطالباً بعزل الرئيس فى 30 يونيو من العام الجارى. شخصية رابعة العدوية اختلفت كثيراً عن شخصية المعتصمين فى ميدانها الذين تمسكوا بمسجدها ليكون منبراً لمتطلباتهم الدنيوية، تلك كانت متصوفة زاهدة انصرفت إلى الإيمان والتعبُّد ورأت فيه بديلاً عن الحياة مع الزوج والولد، لكن هؤلاء تمسكوا بالدنيا والمناصب وجاءوا من كل حدب وصوب يتشبثون بالكرسى الذى ذهب من يد جماعتهم دون رجعة، بعضهم أعد العدة واستعد للحظة صدام مع رجال الشرطة فوضع المتاريس وأقام الدشم الرملية استعدادا للمواجهة التى باتت وشيكة بعد تجاوز اعتصامهم الشهر وتوقف الحياة بشكل كامل لسكان المنطقة التى احتلها المعتصمون لفترات طويلة. التقاطع الذى يلتقى فيه شارع الطيران مع طريق النصر، ويعد مفتاحاً مهماً لضاحية مدينة نصر، صار محطاً لكاميرات الفضائيات المختلفة التى تؤيد جماعة الإخوان المسلمين، لكنه فى نفس الوقت صار محرماً على كافة الفضائيات المصرية التى رأى أنصار المعزول أنها ضدهم، فبدأ العنف يتولد على أرض الميدان ضد كل من يقترب من معارضى الرئيس المعزول. «اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيئاتكم» هكذا كانت تؤمن رابعة العدوية، فتلك إحدى مقولاتها الشهيرة التى بددها معتصمو الميدان طيلة فترة اعتصامهم بأفعال وتصرفات وأقوال بعكس ما كانت تؤمن به، لتصبح رابعة العدوية فى عهد مؤيدى الرئيس المخلوع شكلا آخر غير ذلك الذى يخطر فى ذهنك حين تسمع اسمها.. تجسدت المأساة الكبرى على أرض رابعة طلباً لمنصب زائل أو كما يسمونه «الشرعية». خمسة أشهر كاملة ظل فيها الميدان مغلقاً فى وجه المارة بصورة جعلت الطرق البديلة تشهد ازدحاماً كبيراً، لكنه الوقت الذى خضعت خلاله المنطقة لإصلاحات متواصلة حتى أعيد افتتاح الطريق فى وجه المارة لتعود الحياة إلى المنطقة كما كانت عليها قبيل الاعتصام، لكن المسجد لا يزال يخصع للإصلاحات، يعود الميدان بشكل جديد تتوسطه نافورة كبيرة بداخلها نصب تذكارى يرمز إلى اتحاد الشرطة والجيش والشعب، عبارة عن يدين متقابلتين تتوسطهما كرة كبيرة. يستعيد الميدان أنفاسه بعبور السيارات ذهاباً وإياباً وذكريات عابرة سريعة عما حدث.