تسببت المخاوف السياسية وتقلبات السوق مجددًا في تباطؤ حركة سوق الاكتتاب العام في النصف الأول من العام 2018، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى انخفاض صفقات جمع رأس المال في منطقة آسيا المحيط الهادئ وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا. وبلغ عدد الصفقات الجديدة المدرجة 676 صفقة حتى الآن في النصف الأول من العام 2018، متراجعة بنسبة 19% مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. وانخفضت قيمة صفقات الاكتتاب العام المدرجة على النطاق العالمي بواقع 15% لتصل إلى 90 مليار دولار أمريكي، فيما انخفضت صفقات جمع رأس المال في الشرق الأوسط بنسبة 70% مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. وقالت بيكر مكنزي في تقرير حديث لها: "كان للمخاوف المتعلقة بالظروف الجيوسياسية، لا سيما السياسات الوقائية للرئيس الأمريكي ترامب، فضلاً عن تعثر مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وحالة عدم اليقين السياسي التي طال أمدها في إيطاليا أثراً واضحاً على اتجاهات وشهية المستثمرين وتسببت في تراجع عمليات الطرح العام عموماً. كما تسببت حالة عدم استقرار السوق البالغة ذروتها مطلع العام 2017 ووصلت إلى مستويات غير مسبوقة، في تفاقم التحدي المتمثل في تحديد الوقت المناسب للبدء في طرح عمليات الاكتتاب العام". وكان أداء صفقات الاكتتاب العام العابرة للحدود أفضل بكثير. وساهم الارتفاع الكبير في عمليات جمع رأس المال العابرة للحدود في كبرى أسواق رأس المال في أمريكا الشمالية في منح زخم هائل لهذه الصفقات، حيث أبدت جهات الإصدار الخارجية ارتياحاً ملفتاً لإدراج أسهمها في بورصات الولاياتالمتحدة على الرغم من التدابير الوقائية والتحفظية السائدة في أروقة صنع القرار في الولاياتالمتحدة، وأن عدد صفقات الطرح العام التي تقل قيمتها عن نصف مليار دولار أمريكي قد تم طرحها بنجاح في الولاياتالمتحدة. وتمكنت جهات الإصدار من جمع أكثر من 16.6 مليار دولار، بزيادة بنسبة 15% مقارنة بالفترة ذاتها من العام السابق. وشهد عدد الصفقات العابرة للحدود تحسناً من نسبة 18% إلى نسبة 85%، مع إبرام ثلاثة من أضخم عشر عمليات للاكتتاب العام العابرة للحدود في أسواق أمريكا الشمالية. وفي حين استقطبت الولاياتالمتحدة 13 عملية من عمليات الطرح العام الصينية العابرة للحدود، لاتزال هونج كونج الوجهة المفضلة التي جذبت إليها 18 صفقة. وبدوره أدى إلى ارتفاع قيمة مؤشر بيكر مكنزي بشأن الصفقات العابرة للحدود إلى 17.4 بعد أن كان 13.2 في النصف الأول من عام 2017، أي أقل بقليل من أعلى مستوى مسجل عند 18.7 في النصف الأول من العام 2014. وقال كوين فانهايرنتز، رئيس أسواق رأس المال العالمية في مكتب بيكر مكنزي، "في الوقت الذي تتبنى جهات الإصدار المحلية نهج الانتظار والترقب في ضوء الأوضاع السياسية المختلفة، تشهد المخاوف من العولمة تراجعاً ملحوظاً، كما أن تأثير القومية الاقتصادية لم يصل إلى سوق الصفقات العابرة للحدود". وأضاف فانهايرنتز، "يعكس تحسن نشاط الصفقات العابرة للحدود مستوى جيدًا وسليماً من أداء أسواق الأسهم العالمية، على الرغم حالة الهدوء السائدة في الأسواق المحلية". إن انخفاض حجم الصفقات الذي شهدته منطقة آسيا المحيط الهادئ وأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا قد تم تعويضه جزئيًا من خلال تحسن صفقات جمع رأس المال العابرة للحدود في أمريكا الشمالية وعمليات الإدراج المحلي الأعلى مستوى في أمريكا اللاتينية. وفقدت منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا مركز الصدارة من حيث صفقات الإدراج المقدرة بمليار دولار أمريكي مقارنة مع أسواق أمريكا الشمالية، حيث لم تسجل سوى عمليتين فقط في النصف الأول من العام. ولاتزال أسواق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا نشطة ولايزال حجم الصفقات العابرة للحدود مستقراً وثابتاً. وارتفع عدد عمليات الاكتتاب العام الملغاة في النصف الأول من العام إلى أكثر من النصف ليصل إلى 11 صفقة مقارنة بعدد 23 صفقة ملغاة في النصف الأول من عام 2017، ويعود السبب في ذلك إلى أن المصدرين المحتملين ومستشاريهم قد أكتسبوا مهارة أكبر من حيث التصرف في ظل حالات عدم اليقين. وفي ضوء ذلك، يأمل صانعو الصفقات في انخفاض مستوى حالات التذبذب وعدم اليقين السائدة في السوق خلال النصف الثاني حتى يتسنى لهم الحصول على المزيد من الصفقات، إذ إن العوامل الاقتصادية الأساسية لاتزال قوية إلى حد معقول مع عدم توقع حدوث انخفاض في الاقتصاد العالمي حتى عام 2020.