قبيل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية فاجأتنا الصحف بخبر بالغ الغرابة يتمثل فى أن المرشح الدكتور «محمد مرسى» دعا مجموعة من الرموز الليبرالية والثورية للقائه فى فندق «فيرمونت» بمصر الجديدة (فندق شيراتون هليوبوليس سابقاً). ونشرت الصحف صورة لها دلالة فى نهاية اللقاء حيث يقف الدكتور «مرسى» تحيط به شخصيات معروفة فى مقدمتها الأستاذ «حمدى قنديل» الإعلامى المعروف والدكتور «عبدالجليل مصطفى» والدكتور «علاء الأسوانى» والدكتور «عمار على حسن» ومن ممثلى شباب الثورة «وائل غنيم» بالإضافة إلى شخصيات أخرى مثل الدكتورة «هبة رءوف عزت» والكاتبة «سكينة فؤاد». وهذه الشخصيات جميعاً يمكن اعتبارهم من أنصار الدولة المدنية وممن يرفضون هيمنة الدين على السياسة، وينطلقون من الإيمان المطلق بالديمقراطية. وهم أيضاً -وقد يتفاوتون فى ذلك- من المعارضين لفكر جماعة الإخوان المسلمين. ولذلك كان اللقاء غريباً غاية الغرابة. وقد صدرت تصريحات عقب اللقاء تفيد أن هذا التجمع الوطنى الهدف منه وضع قواعد للتفاهم السياسى بين القوى الليبرالية والدكتور «محمد مرسى» باعتباره ممثلاً لحزب الحرية والعدالة الإخوانى تدور حول ستة موضوعات رئيسية. أولها ضرورة اختيار رئيس وزراء غير إخوانى من الشخصيات الوطنية المستقلة، وقيل إن المجموعة اقترحت أن يكون الدكتور «البرادعى» هو المرشح الأول للمنصب، واختيار ثلاثة نواب للرئيس أحدهم شاب والثانى قبطى والثالث سيدة. وتشكيل مجلس رئاسى يضم كافة الأطياف السياسية، وعدم احتكار أعضاء جماعة الإخوان المسلمين للحقائب الوزارية، وأن تترك الفرصة لممثلى الأحزاب السياسية وللتكنوقراط لكى يشتركوا فيها. وقيل إن المرشح الرئاسى (وقتها) الدكتور «محمد مرسى» وافق على كل هذه الشروط، ووعد المجتمعين بتأييده فى الانتخابات ضد عدوهم اللدود الفريق «شفيق» الذى اعتبروه هو الممثل الرسمى للفلول، الذى لن يفعل فى حالة نجاحه إلا إعادة إنتاج نظام الرئيس السابق «مبارك». وقد أثار هذا اللقاء دهشة بالغة فى كافة الأوساط السياسية المصرية لعدة أسباب. فقد ثارت تساؤلات أولاً لماذا اختير هؤلاء بأشخاصهم دون غيرهم، ولماذا تم الاتفاق عليهم بالرغم من أنهم لا يمثلون أحزاباً سياسية؟ وما الذى يجعلهم -كراهية فى الفريق أحمد شفيق- يرتمون فى أحضان المرشح المنافس الدكتور «محمد مرسى» وهو رئيس حزب الحرية والعدالة الذى يسعى إلى إنشاء الدولة الدينية فى مصر؟ وأسئلة أخرى أهم ما الذى يجعل الدكتور «محمد مرسى» يلتزم بتوجيهات هذه الجبهة الوطنية حين ينجح فى الانتخابات ويصبح رئيساً للجمهورية؟ وما منطق اختيار نائب رئيس شاب وهل شغل هذا المنصب يتعلق بالسن أم بالكفاءة والخبرة؟ وما معنى اختيار نائب رئيس قبطى، أليس فى هذا ضرباً لمبدأ المواطنة فى مقتل الذى ينص على أن المصريين سواء أمام القانون، وأليس فى التركيز على قبطية النائب ترسيخ لمبدأ خطير ومرفوض هو المحاصصة فى الوظائف العامة بين المسلمين والأقباط؟ وما معنى اختيار سيدة لمنصب نائب الرئيس، ولماذا لا تكون الشروط تتعلق بالكفاءة والخبرة وليس بجنس المرشح؟ وبغض النظر عن هذه التساؤلات المشروعة التى تكشف عن الهشاشة البالغة لهذا الاتفاق الغريب بين من سموا أنفسهم «الجبهة الوطنية الثورية» والدكتور «محمد مرسى»، فقد فاجأتنا هذه الجبهة بأنها عقدت اجتماعاً صرحت فى نهايته المتحدثة باسمها الدكتورة «هبة رءوف عزت» بأنها تطالب رئيس الجمهورية بالوفاء بتعهداته لهم التى جرى الاتفاق عليها يوم 22 يونيو الماضى التى تتضمن معايير اختيار مستشارى الرئيس وفريقه الرئاسى ونوابه ومحددات تشكيل أول حكومة عقب الانتخابات الرئاسية. وقالت الدكتور «هبة» باعتبارها المتحدث الرسمى باسم الجبهة كما نشر فى جريدة «الشروق» فى 29 يوليو 2012 «إن تأسيس الجبهة جاء خوفاً من تزوير نتائج إعادة الانتخابات الرئاسية، وانتقدت فى المؤتمر الصحفى الذى عقدته الجبهة بساقية «عبدالمنعم الصاوى» عدم موافقة رئيس الجمهورية على لقاء الأمين العام للجبهة «سيف عبدالفتاح» لبحث آليات تنفيذ بنود الاتفاق التى تعهد الرئيس بتنفيذها. وقالت باستياء حاولنا لقاء الرئيس أكثر من مرة ولكنه تعلل بالانشغال، ولم يلتق بأى من ممثلى الجبهة. وقد اتهمت المتحدثة الرسمية باسم الجبهة مؤسسة الرئاسة بعدم الالتزام بالشفافية والوضوح فيما يتعلق باختيار رئيس الحكومة الجديدة.. وأضافت أن هناك حالة من الضبابية وعدم الوضوح تسيطر على آليات ومحددات تشكيل الحكومة. وأضافت الدكتور «هبة رءوف» أن مؤتمرهم لا يأتى انقلاباً على الرئيس المنتخب أو لتوجيه النقد اللاذع له وإنما محاولة لتوجيه النصح له لتصحيح مساره. ولا نملك للتعقيب على ما حدث من أول اللقاء الشهير فى فندق «فيرمونت» الذى أثار عديداً من التساؤلات عن منطق سلوك أعضاء النخب السياسية الذين شاركوا فيه وعن دوافعهم الحقيقية، إلا أن نقول إن رهان أعضاء اللجنة الوطنية الثورية كما يطلقون على أنفسهم كان رهاناً خاسراً، ويدل على عدم فهمهم العميق للسلوك الإخوانى المعتمد وهو المغالبة لا المشاركة ونقض العهود، واللجوء إلى تبريرات غير منطقية لتفسير الانتهازية السياسية!