قال الله تعالى: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً، إما يبلغنّ عندك الكبر أحدهما أو كلاهما، فلا تقل لهما أُفٍّ ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربّيانى صغيراً)، الإسراء: 23. إنّ للوالدين مقاماً كبيراً، وشأناً عظيماً يعجز الإنسان عن إدراكه، ومهما جهد القلم فى إحصاء فضلهما ؛ فإنه يبقى قاصراً منحسراً عن تصوير جلالهما، وحقهما على الأولاد، وكيف لا يكون ذلك وهما سبب وجودهم، وعماد حياتهم! (وقضى ربك) أى أمر ووصّى، وقرن بعبادته -سبحانه- برّ الوالدين، وإن دلّ هذا على شىء، فإنما يدلّ على منزلتهما عند الربّ -تعالى-، وقد روى مسلم فى صحيحه أنّ النبى -صلى الله عليه وسلم- قال: «رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه، قيل: من يا رسول الله؟! قال: مَن أدرك أبويه عند الكبر أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة»، وفى الصحيحين من حديث ابن مسعود -رضى الله عنه- قال: سألت النبى -صلى الله عليه وسلم: أى العمل أحب إلى الله تعالى؟ فقال: «الصلاة على وقتها»، قلت: ثم أى؟ قال: «برّ الوالدين»، قلت: ثم أى؟ قال: «الجهاد فى سبيل الله»، فقد قدّم النبى -عليه الصلاة والسلام- بِرَّ الوالدين على الجهاد، وفى حج 1418ه وقع حريق كبير فى منى، فجاء رجل إلى مخيم الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله تعالى- يسأله: لمّا اندلع الحريق انخلع قلبى، وطار عقلى وصرتُ بين أمرين أحلاهما مُرّ: إما أن أنقذ أمى من الحريق، وإما أن أنقذ طفلى ؛ فغلبتْ عاطفة الأبوّة علىّ، فأنقذتُ طفلى وتركتُ أمى حتى ماتت فى الحريق! فانتفض الشيخ -رحمه الله تعالى- وقال له متأثراً: «بئس ما صنعت! إنّ الفرع إذا ذهب فإنه يُعوّض، أمّا الأصل إذا ذهب فإنه لا يُعوّض.