كل مهمة يخرجون إليها تختلف عن تلك المهمة التى تكون وجهتها إلى شمال سيناء ليشاركوا فى تطهير الإرهاب. تأتى مجموعات وتذهب أخرى، يرى ضباط ومجندو العمليات الخاصة الموت هناك فى كل لحظة، ويسقط أمام أعينهم شهداء من زملائهم فى الشرطة، يتحركون دائماً صوب مصير مجهول ينتظرهم خلف أشجار الزيتون المحيطة بمناطق تمركزهم، يعتبرونها مهمة ليست عادية، ويقدرون دورهم فى هذه الحرب الحقيقية لاسترداد سيناء من يد الإرهاب. مجموعات من القوات الخاصة تذهب من الحين للآخر للتعاون مع رجال القوات المسلحة فى تجفيف منابع الإرهاب، حين يدرك الضابط أن مهمته فى سيناء تصبح المهمة أكثر سرية لا يخبر أهله وذويه بهذه النوعية من المأموريات، حتى لا يتركهم فى نيران القلق والتوتر التى طالما لازمتهم كلما أدركوا أنه فى مهمة محددة. فى يوم التجهيز للذهاب إلى سيناء يحتاج الضابط إلى معداته؛ زيه الأسود وقناعه وأسلحته، وكل تلك المهمات لا تغنى عن يقينه بأنه قريب من الموت، وأنه فى لحظة قد لا يعود إلى أهله. هنا يطبع النقيب مصطفى عبدالمرضى قبلة على جبين ابنته التى لم تكمل عامها الأول، قبل أن يودع زوجته مخبراً إياها بأنه فى مهمة فى محافظة الإسماعيلية وليس فى سيناء، يذهب «عبدالمرضى» تاركاً أسرته الصغيرة وقلبه معلق بهم، يتذكر ما شاهده من قتل الجنود بدم بارد على أيدى الإرهاب، يتذكر الأخبار الصباحية التى لا تخلو من تفجيرات فى مناطق حيوية فى سيناء، لكنه الدور الذى خلق له أن يواجه الخطر أياً كان مكمنه. «عبدالمرضى» واحد ممن ذهبوا إلى سيناء فى المهمة الأخيرة التى نفذتها القوات المسلحة لتطهير البؤر الإرهابية فى سيناء، ما بين قرى التومة والمهدية والجورة وجبل الحلال والشيخ زويد، يتذكر «عبدالمرضى» أحداث 15 يوماً من الإرهاب اليومى والتفجيرات التى لا تتوقف لحظة بالقرب من معسكرهم حيث مزارع الزيتون التى تختبئ بداخلها يد الإرهاب. فى المعسكرات عادة يستعيد الضابط نشاطه بالتدريبات واللياقة البدنية، ويأخذ قسطاً من الراحة ليتمكن من مواصلة عمله بشكل دائم. لكن معسكر الأحراش ليس كباقى المعسكرات، فلا أحد هنا يعرف طعم النوم، فبين الحين والآخر تقذف عليهم قذائف الهاون التى تطلق شظاياها فى كل مكان لتصيب عدداً من الموجودين فيها. قبل ذهابه إلى المكان بساعات أطلق الغادرون 30 قنبلة هواء على القطاع، وهو ما لم يمنعهم من مواصلة عملهم فى القضاء على البؤر الإرهابية ومشاركة قوات الجيش فى تجفيف أوكار الإرهاب المتشعبة فى سيناء. تختلف الحياة وطبيعتها عن تلك التى اعتادوها فى أى منطقة أخرى، حيث الطبيعة الجبلية القاسية، إذ يختبئ الموت فى شكل لغم على الرمال أو طلقة آر بى جى تخرج وتقصف من أمامها. يستعيد الملازم أول محمد عقباوى ذكريات تلك اللحظة التى سقط فيها مقدم بالقوات المسلحة، استشهد فى اليوم الأول له بالمأمورية، حينما قاموا بضبط مخزن للسلاح والمتفجرات والأسلحة الثقيلة بقرية التومة، يقول العقباوى: «اللى شفته فى سيناء ماشفتوش فى أى مهمة خرجت فيها، هناك الأهالى يحملون أسلحة ثقيلة من نوعية الأسلحة الخاصة بالجيوش وليس تسليح أفراد عادية». الحياة فى الجبل تستوجب نوعية معينة من الطعام أو ما يسمى بالتعيين الجاف، يحصل كل ضابط على قرص وقود وعلب للفول والعدس وزجاجات المياه، يتعايش الضابط مع طبيعة المنطقة القاسية، فلا مجال للنوم ولا وقت للترفيه أو الراحة. مشاهد الموت المتلاحقة لا يمكن أن تزول من ذاكرة من شاركوا فى تطهير سيناء؛ يقول النقيب إسلام سيد إن «نوعية القتال فى سيناء مختلفة، فأنت تحارب مجموعة من الإرهابيين المتخفين فى مزارع الزيتون، وأشخاصاً لا تراهم أمامك، فقط تسمع صوت التفجيرات فتدرك أن هناك مجموعة من الإرهابيين مختبئين على بعد مسافة من الحادث، ونتصدى للسلاح الثقيل الموجود فى حوزتهم». يستعيد «سيد» ما حدث فى سيناء، يقول: «اتضرب قذيفة آر بى جى على مدرعة وهى فى طريقها إلى منطقة جبل الحلال، والحمد لله أخطأت الهدف ولم تصب المدرعة»، «سيد» الذى لم يستوعب عقيدة هؤلاء الإرهابيين الذين يحاربون القوات المسلحة و«الداخلية» يتساءل: «لماذا أصبحت سيناء وكراً للإرهاب بهذه الصورة الفجة؟»، ويتابع: «التطهير الذى حدث قضى على بؤر إرهابية كثيرة، كنا نشاهد منازل مفخخة وطرقاً مفخخة». ورغم هذه التفاصيل الصعبة كان إصرارهم على مواصلة العمل وتطهير تلك المناطق من الإرهابيين والعناصر المسلحة هو الهدف الأكبر بالنسبة إليهم، فيقول: «بإذن الله سنكسر الإرهاب ونقضى عليه لتصبح مصر آمنة».