كنت لا أصدق ما يرويه لى بعض الأصحاب من وجود خطة وضعها بعض الإخوان لتعطيل المرور وذلك من خلال الادعاء عند مطلع الكوبرى أن سيارة أحدهم قد تعطلت وقد تزامنت هذه الحملة، وفقا لما رأيته على مواقع بعضهم الإلكترونية، مع حملات أخرى مشابهة مثل حملة تدعو إلى إلقاء القمامة فى الطرقات وكذلك تشغيل الكهرباء بصورة غير عادية تؤدى إلى كثرة الاستهلاك.. وكانت هذه الدعوات فى مواقع كثيرة مثل موقع «اغضب يا ريس» وغير ذلك من المواقع الإخوانية، وقد تم تطبيق خطة تعطيل المرور بطريقة كما روى لى البعض أدت إلى تكتل السيارات أمام مطلع الكوبرى الذى يتم احتجاز نصف مساحته لصالح السيارة المعطلة وأنا طبعا لم أصدق هذا الأمر ولا هذه الرواية ولا هذا الادعاء فليس من المتصور عندى أن يتفتق العقل البشرى مهما كان غضبه من المجتمع أو حتى من الشرطة أو الجيش أن يكلف الناس فاتورة هذا الغضب أو أن يعبر عن هذا الغضب بنشر الفساد فى الأرض فيتم حرق من لتر إلى لترين من البنزين أثناء وقوف السيارة التى يملكها مواطن بسيط بسبب وقوفها فى طابور طويل وكأننا نجعله يهدر من أمواله ما يقترب من الجنيهات الأربعة ثم نعلن أن هذه هى إحدى وسائل مقاومة الانقلاب أو أنها واحدة من طرق المطالبة بالشرعية.. وأنا لا أصدق حتى أن تكون هذه الأفكار أفكاراً إخوانية؛ فالذى عرفته خلال ثلاثين عاماً مضت أن الإخوان كانوا يقبلون الظلم ويخضعون له بل ويلتزمون بالدخول إلى السجون متى نمى إلى علمهم أن الشرطة تطلب أحدهم بل كانوا ينظفون السجن ويحافظون على أمواله ولا ترتفع أصواتهم حتى بإعلان الغضب وكانوا يحافظون على هذا المال العام ولم يكن من ضمن أفكارهم إهدار هذا المال من أجل التضييق على مبارك مثلا، وكانوا يعتبرونه أباً لكل المصريين بل وكان الحوار مفتوحاً بينه وبينهم فى كثير من المناسبات وقد حدث أن زار الحاج حسن الجمل (رحمة الله عليه) فى إحدى السنوات الرئيس حسنى مبارك فى بيته وقت أن كان الحاج حسن الجمل عضوا فى مجلس الشعب عن الإخوان المسلمين فى الثمانينات، وقصة هذا اللقاء أن الرئيس مبارك كان قد صافح عددا من أعضاء مجلس الشعب فى إحدى المناسبات فى مسجد «عمرو بن العاص» وكان من بينهم الحاج حسن الجمل وطلب الحاج حسن الجمل من الرئيس الأسبق مبارك أن يزوره فوافق مبارك دون تردد واستقبل بالفعل الحاج حسن الجمل بعد ثلاثة أيام وسعد الإخوان جميعا بهذا اللقاء وتم إعداد مذكرة بتفاصيل اللقاء أثنى فيها الحاج حسن الجمل على هذا اللقاء ثناءً كبيرا ورحبت به القيادات فى ذلك الوقت -لا سيما الأستاذ المرحوم صلاح شادى- أشد الترحيب، ولأنى كنت أتولى تدريب عناصر مجلس الشعب فى ذلك الوقت تحت إشراف الأستاذ صلاح شادى (رحمه الله) فقد تم توزيع هذا التقرير على اللجان مع مطالبة الأفراد جميعاً بالتعاون مع الرئيس مبارك وعدم تناوله فى اللقاءات الصحفية إلا بكل توقير. وإذا كان ذلك يتم مع رأس الانقلابات الدستورية ورأس التزوير الانتخابى ومع الرئيس الذى أرسى قواعد الفساد فى مصر والذى جعل من التعذيب سياسة نظام وليس جريمة فرد ولم يجد الشعب فى ذلك الوقت من الإخوان أمام هذا الرئيس إلا كل خلق وامتثال ووداعة. من أجل ذلك كله فأنا لم أصدق ولم أتصور أن يكون سلوك الباحثين عن الحق مملوءا بهذا الفساد فى التفكير وفى المنهجية.. صحيح أننا نعانى من أنهم لا يقبلون حوارا وأنهم أصبحوا يستخدمون ألفاظا لا علاقة لها بالخلق القويم ولكنى مع ذلك لا أتصور أن الذى يكتب هذه الخطط على الفيس بوك إلا أن يكون من فاقدى لغة العقل وكل الذى أتمناه ألا يربطوا بين ما يفعلون وبين الإسلام حتى لا يفتن الناس فتنة كبرى، ولم أكن أتصور أيضاً أن الذى شاهد عمر التلمسانى وعبدالمتعال الجبرى ونصر عبدالفتاح وغيرهم (رحم الله الجميع) أن يعطل سيارته من أجل هدف سقيم مفتخرا «بوقف الحال» ويعتبر أن إهدار مال المصريين هو خطوة يتقرب بها إلى ربه وأنه من خلال إيذاء الناس فى أموالهم سينجح فى إعادة ما سماه بالشرعية، ولم أكن أتصور أيضاً أن هذه الخطة خطة إخوانية بل إنها أشبه بخطة العصابات، وأعتقد أن الذين يخترعون هذه الخطط يجب أن يراجعوا أنفسهم إلى أى فريق يجب أن يكون انتماؤهم. كل هذا كان يدور برأسى ولا أصدقه إلى أن أخبرنى صديقى الدكتور أحمد ربيع غزالى، المحامى، بأنه وأثناء مروره فوق الطريق الدائرى ما بين التجمع الخامس و«مبنى كارفور» تلاحظ له أن الطريق يسير ببطء شديد وبعد حوالى عشرين دقيقة وصل إلى حيث مكان الأزمة المرورية فتلاحظ له أن سيارة كانت تحتل منتصف الطريق وأن ظاهرها أنها معطلة أو عطلانة ولم تمر دقيقتان حتى قام أحد قائدى سيارات «الميكروباص» وخاطب صاحب السيارة فى لهجة ساخرة «هوا انت عطلان ولاّ انت إخوان؟!»، فقابل صاحب السيارة هذا التهكم بعبارة شديدة مما جعل الأمور تحتدم بين سائق الميكروباص والركاب من جهة وبين صاحب السيارة من جهة أخرى فأقسم سائق «الميكروباص» أن يختبر السيارة العطلانة ونجح هو ومن معه من الركاب فى الإحاطة بصاحب السيارة الملاكى وانتزعوا مفتاح السيارة منه وأجروا اختبارا لها فتبين لهم أن السيارة فى حالة جيدة.. ولا أستطيع أن أصف لك بعد ذلك ما رواه لى صديقى من أحداث تمت مع صاحب السيارة المعطلة ولكنى أتركك لتتخيل ذلك بل إن صديقى الدكتور حاول أن يفض هذا الموقف ومع الأسف لم ينجح فى ذلك نجاحا كاملا. وإذا كانت نهاية القصة محزنة ومؤسفة فإنها تعبر عن انهيار شديد فى العلاقة الإنسانية بين الشباب الذى يحاول أن ينتمى إلى حركة الإخوان المسلمين وبين الشعب المصرى الذى لم يعد يصدق أن كل من يفعل ذلك من الممكن أن ينتمى إلى فكرة أخلاقية، لا سيما أننا أمام ثورة حقيقية وأن الدكتور مرسى لا يعبر عن أى شرعية فلا تزيدوا «الطين بلة». وأخيراً فإن الذين يظنون أنهم يدافعون عن الشرعية معتقدين أنهم يدافعون عن قيمة فنحن نقول لهم إن الطريق للوصول إلى الحق لا يمكن أن يكون محفوفاً بإيذاء الآخرين ولا بمنهج الشياطين ولا بإهدار أموال المصريين.. فلو صح أنك تبحث عن الشرعية فليكن ذلك بطريقتك الشرعية وبأخلاقك الشرعية وقد مضى زمن يثق فيه الناس فى الأقوال وأتى زمن لا ينظر فيه الناس إلا إلى الأفعال. وأذكركم بمقولة الأستاذ عمر التلمسانى حينما ظلمه الرئيس السادات ظلما كبيرا وظلم جريدته «الدعوة» وتناول شخص الأستاذ عمر التلمسانى بالتجريح، أذكركم بما قاله له عمر التلمسانى: «لو أن غيرك ظلمنى لشكوته إليك.. ولكن لأنك أنت الذى ظلمتنى فإنى أشكوك إلى الله».