أختلف -بعض الشىء- مع من يذهب إلى أن الضربات الأمنية الموجهة إلى جماعة الإخوان ثم الحكم القضائى بحظرها يمكن أن يؤدى إلى القضاء عليها. فالضربة الأمنية قد تؤدى إلى هزّ التنظيم الإخوانى أو إرباكه، لكنها فى النهاية لن تقضى عليه، أما الحكم القضائى بحظر الجماعة فقد سبق وتعرضت له عامى 1948 و1954 حين أصدر الحاكم العسكرى -وقتها- قراراً بحلها، وظلت تعمل. جماعة الإخوان -كما وصفتها ذات يوم- تشبه «العنقاء» التى تتلوى من وسط التراب الذى تُدفن فيه لتقوم من جديد. وتشهد التجربة أن الضربات الأمنية الموجعة التى تلقتها الجماعة عبر تاريخها منذ عهد الملكية ومروراً بعصر عبدالناصر ثم السادات ثم «المخلوع» كانت تزيد من قوة التنظيم الإخوانى ولا تضعفه، الاختبار الأخطر للجماعة جاء عندما صعدت إلى الحكم، وأصبح «مرسى» رئيساً للجمهورية، فى هذه اللحظة تعرضت الفكرة المركزية التى قامت عليها الجماعة للاختبار، وهى الفكرة التى تلخصها عبارة «الإسلام هو الحل»، وقد أثبتت تجربة عام من حكم الإخوان أن هذه العبارة لا تعدو الشعار الانتخابى الذى ظلت الجماعة تتاجر به على المواطن سنين طويلة، وأنها لا تملك حلولاً لمشاكل الناس، بل يمكننا أن نقول بضمير مستريح إن حكم الإخوان زاد مشاكل المصريين تعقيداً، وأضاف إلى قائمة معاناتهم مشكلات جديدة! هنالك اهتزت الجماعة اهتزازاً عنيفاً ومادت الأرض من تحتها، بعدما اكتشف الناس خواء الفكرة التى تقوم عليها والتى ظلت تطنطن بها سنين عدداً، وفى تقديرى أن نزول الناس فى 30 يونيو كان يرتبط فى الأساس باكتشاف زيف الفكرة الإخوانية، والتوقيعات التى انهالت على استمارة تمرد لم تكن ناتجة بحال عن عبقرية «محمود بدر» أو «محمد عبدالعزيز»، بل ارتبطت بيأس المواطنين من قدرة الإخوان على الحكم والقيام بواجباته واستحقاقاته. وفى تقديرى أنه لو طالت مدة مظاهرات يونيو ويوليو بعض الشىء لكان ذلك أفيد لنسف الفكرة الإخوانية من أذهان المصريين بصورة كاملة! لكن بثمن باهظ، وهو الأمر الذى دفع «السيسى» إلى التدخل حتى لا تقع مصر فى فخ الاقتتال الأهلى. وبعد عزل «مرسى» سارعت الجماعة -من جديد- إلى ممارسة هوايتها المفضلة فى «التجارة بالدين» من خلال الحديث عن أن الحرب التى يخوضها الأمن ضد الجماعة وذيولها ليست حرباً على الإرهاب، بل هى حرب على الإسلام، قافزين بالطبع على الفشل الذريع الذى أثبتوه فى استحقاق الحكم، والعجز المريع عن حل مشكلات المواطنين، والطمع الساذج فى أخونة كل مؤسسات الدولة المصرية، ووضع مفهوم الوطنية المصرية على طريق التآكل، وهى مجموعة الأسباب التى دفعت الشعب إلى النزول ضدهم والتخلص منهم، لكن يبقى أن إنهاء الفكرة الإخوانية المريضة لا يرتبط بتوجيه الضربات الأمنية للتنظيم أو اهتزازها على المستوى الشعبى، بل يتعلق فى الأساس بضرب المعادلة التى تنمو فى ظلها الفكرة، معادلة: «الفقر+ المظلومية= الإخوان».