ما مدى صحة التفرقة السائدة فى الخطاب السياسى المصرى بين الوزراء السياسيين والوزراء التكنوقراط؟ فى تقديرنا أن هذه التفرقة، والتى تتقبلها ببساطة وخفة تيارات سياسية شتى، لا أصل لها فى عالم السياسة الواقعى، كما تمارس فى النظم الديمقراطية المستقرة! فالوزير -بحسب التعريف وأياً كان تخصصه العلمى أو المهنى- لا بد أن تكون له رؤية سياسية للمجال الذى سيكلف بإدارته. وهذه الرؤية السياسية فى المجتمعات الديمقراطية المستقرة لا يتبناها كل وزير فى الوزارة وفق ميوله الشخصية أو توجهاته الفكرية الخاصة، بل إنها لا بد أن تكون رؤية الوزارة ككل، بحيث ينفذ كل وزير فى وزارته السياسات الخاصة بها، وفق التوجهات الرئيسية للسياسة العامة للوزارة. والذى يسهل الأمر فى النظم الديمقراطية المستقرة أن تداول السلطة يتم بين أحزاب سياسية لها توجهاتها الأيديولوجية المختلفة التى لا بد أن تنعكس على سياسة الوزارة لو شكلها حزب معين. فى فرنسا -على سبيل المثال- نجح فى انتخابات رئاسة الجمهورية «أولاند» وهو زعيم الحزب الاشتراكى وهو حزب سياسى قديم له توجهاته الأيديولوجية المعروفة والتى غيّر من بعض معالمها كرد فعل للتطورات العالمية وتأثيرات العولمة. لكن لها معالمها المعروفة مما جعل الناخبين الفرنسيين ينتخبون «أولاند» الاشتراكى، ويسقطون «ساركوزى» اليمينى اعتراضاً على سياساته التى كانت منحازة للرأسماليين ورجال الأعمال على حساب الطبقات العاملة والمتوسطة. وهكذا يمكن القول بأن «أولاند» حين اختار رئيساً للوزارة من حزبه الاشتراكى فإنه هو وبقية أعضاء الوزارة سينفذون برنامج الحزب الاشتراكى، كل وزير فى إطار تخصصه. وفى فرنسا ليس هناك حديث عن الوزير السياسى والوزير التكنوقراطى! لأنه مهما كان تخصص الوزير الأصلى فلا بد له أن يكون وزيراً سياسياً كما أسلفنا القول. أما عندنا فى مصر فقد نشرت الجرائد بعد أن اختار الرئيس «مرسى» الدكتور «هشام قنديل» وزير الرى لتشكيل الوزارة، أنه تم الاتفاق على أن يحظى حزب الحرية والعدالة بعشر حقائب وزارية، وبقية الأحزاب باثنى عشر حقيبة وزارية.. أما التكنوقراط فسيشغلون عشر حقائب وزارية. والسؤال هنا: هل هذا الوزير التكنوقراطى سيبتدع فى وزارته سياسته الخاصة أم سيكون ملزماً بتطبيق سياسة الوزارة ككل؟ وما ملامح سياسة الوزارة، إذا كانت الحقائب الوزارية منقسمة بحسب الأحزاب السياسية المختلفة فى توجهاتها الأيديولوجية؟ بعبارة أخرى كيف سيتم الانسجام الوزارى بين وزير إخوانى ووزير ليبرالى وآخر ينتمى إلى تيار ثورى؟ وكيف سيتفاعل هؤلاء مع «قبيلة» الوزراء التكنوقراط الذين لا يجيدون السياسة، ولكن قد يجيدون فهم التخصص لكل منهم؟ وهل المسألة تخصصات علمية أم سياسات معلنة لها قيمها الخاصة؟ خذ على سبيل المثال قضية التعليم، والسؤال: هل نحافظ على مجانية التعليم أم نلغيها ونجعل التعليم بمصاريف؟ هذه قضية سياسية وليست تكنوقراطية! وانظر إلى وزارة الصحة: هل يخضع كل السكان لمظلة التأمين الصحى، وهل نضع شروطاً مالية ميسرة لكل من يريد أن يؤمن على صحته، أم أن الشروط لن يستطيع الوفاء بها إلا القادرون؟ هذه قضية سياسية وليست تكنوقراطية! وتتعدد الأمثلة لتؤكد صدق مقولتنا المبدئية «إن التفرقة بين الوزراء السياسيين والوزراء التكنوقراط لا أساس لها فى أى نظام ديمقراطى حقيقى».