لم يشغلني كثيرا ما نشر عن انتماء هشام قنديل رئيس مجلس الوزراء الجديد لجماعة الاخوان المسلمين وعضويته في لجنة السياسات بالحزب الوطني الديمقراطي (المنحل) رغم أهمية هذا الانتماء وهذه العضوية، ولكني توقفت طويلا أمام تصريح له قال فيه بحسم «لم أنتم طوال حياتي لأي حزب سياسي» وأكد أن الوزراء في حكومته سيكونون من «التكنوقراط». وقضية الشخصيات العامة المستقلة غير المنتمية رغم انشغالها بالشأن العام قضية مصرية خالصة، وظاهرة سلبية أضرت بالحياة السياسية المصرية وبالديمقراطية. فالمشتغلون بالشأن العام في العالم الديمقراطي هم اعضاء وكوادر وقيادات في احزاب سياسية. فالاحزاب هي الوعاء المنظم للعمل السياسي. ولم تكتشف البشرية بعد شكلا آخر من أشكال العمل السياسي غير «الحزبي». فالفرد مهما كان تأثيره ونفوذه وشعبيته لا يستطيع تطبيق سياسة معينة أو برنامج أو تحقيق تغيير ما لم يكن مستندا إلي حزب سياسي. ورؤساء الدول ورؤساء الحكومات والوزراء والمحافظون في البلاد الديمقراطية يصلون إلي مواقعهم من خلال احزابهم التي تخوض الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمحلية بمرشحين من اعضائها وقادتها . ولا يمكن تصور شخص لم ينتم طوال حياته لحزب سياسي- كما يقول- يتولي منصب رئيس مجلس الوزراء- وهو منصب سياسي بامتياز- ويدير شئون البلاد والعباد. فالطبيعي أن رئيس مجلس الوزراء والوزراء سينفذون برنامجا سياسيا اقتصاديا اجتماعا، هو برنامج الحزب الفائز في الانتخابات العامة، وليس برنامجا شخصيا بعينه لا يعرفه الناخبون بفرض وجود مثل هذا البرنامج الشخصي. وقد عانت مصر منذ حل الاحزاب في يناير 1953 من الحكومات (رئيسا ووزراء) عبر السياسية أو التكنوقراطية. ففي ظل نظام الحزب (أو التنظيم) السياسي الواحد، تحول رئيس الجمهورية إلي صاحب القرار السياسي الوحيد، وأصبح رئيس مجلس الوزراء والوزراء مجرد مديري مكتب أو سكرتارية لرئيس الجمهورية ينفذون السياسة التي يقررها. وأصبح اختيار الوزراء يتم علي أساس المهنة والخبرة والكفاءة العلمية في تخصص معين. فوزير الداخلية لواء شرطة ( من مباحث أمن الدولة في الغالب) ووزير الخارجية من السلك الدبلوماسي، ووزير الصحة طبيب، ووزير الري مهندس ري أو استاذ جامعي من كلية الهندسة متخصصا في المياه والري.. وهكذا. باختصار تحددت مهمة الوزير بحيث يكون أقرب إلي «وكيل أول الوزارة» لا علاقة له برسم السياسة العامة في وزارته وانما تنفيذ السياسة المقررة في رئاسة الجمهورية، وأصبحت الحكومات المختلفة تتكون من تكنوقراط أغلبهم اساتذة جامعات لم يمارسوا العمل السياسي المنظم طوال حياتهم، وأقرب ما يكونون ل «موظفين كبار». وإذا كان ذلك مقبولا تجاوزا في ظل نظام الحزب الواحد والرئيس «الزعيم والقائد» فيستحيل قبول هذا الأمر في ظل التعددية الحزبية – حتي ولو كانت مقيدة- والتي بدأت عام 1976، أي منذ 36 عاما، ويوجد حاليا في مصر أكثر من 60 حزبا منها 25 حزبا كان لهم اعضاء في السلطة التشريعية سواء في الشعب أو الشوري (قبل حل مجلس الشعب بحكم قضائي). ومن غير المنطقي أو المقبول أن يكلف رئيس الجمهورية (رئيس حزب الحرية والعدالة ونائب المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين) أن يكلف شخصا يزعم بأنه لم ينتم إلي أي حزب سياسي طوال حياته بتشكيل الحكومة، ثم يعلن أنه سيعتمد علي التكنوقراط في تشكيل مجلس وزارته. ويزيد الأمر صعوبة اعلان رئيس الوزراء أن حكومته ستكون ائتلافية ومن ألوان الطيف السياسي، ويجري الحديث عن توزيع الحقائب الوزارية بنسب علي الاحزاب والتيارات السياسية، دون أي تطرق لبرنامج الحكومة وهو أساس أي ائتلاف. فإما أن الحكومة ستنفذ برنامج حزب الحرية والعدالة الانتخابي وبرنامج رئيس الجمهورية المستخرج منه، وهو الاقرب إلي المنطق، وفي هذه الحالة يستحيل الحديث عن حكومة تضم كل الوان الطيف السياسي، وانما يقتصر الأمر علي حكومة من حزب الحرية والعدالة وجماعة الاخوان المسلمين ، أو منهم ومن حلفائهم من أحزاب تيارالإسلام السياسي كالنور والفضيلة والاصالة، وبعض المستوزرين المستعدين لتنفيذ برنامج الإسلام السياسي أيا كان انتماؤهم الأصلي. وإما أن الحديث عن حكومة ائتلافية حديث جدي وليس مجرد مناورة سياسية، وفي هذه الحالة لابد من دعوة الاحزاب المطلوب مشاركتها في الحكومة إلي التفاوض حول برنامج الحكومة والذي سيختلف جزئيا عن برنامج الحرية والعدالة بما يعكس المشترك الذي يمكن التوصل إليه بين هذه الاحزاب التي ستأتلف في الحكومة، ويقتصر الاشتراك في الحكومة علي الاحزاب التي تقبل بهذا البرنامج ،وهو ما لم يتم، بل وأكد رئيس مجلس الوزراء أن مهمة الحكومة هي تنفيذ برنامج الرئيس. باختصار أننا أمام حكومة تمثل سياسة جماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة، وهي حكومة تكنوقراط (أو موظفين)، وبأدق سكرتارية تنفيذية لرئيس الجمهورية «د. محمد مرسي» الذي ينفرد بتقرير السياسات مثله في ذلك مثل الرؤساء الاستبداديين الذين سبقوه في ظل دستور 1971، أي السادات ومبارك.