عاد الحديث مرة أخري عن ضرورة تشكيل «حكومة ائتلافية» بعد فوز «د. محمد مرسي» مرشح حزب الحرية والعدالة بمنصب رئيس الجمهورية، وكان قد سبق طرح نفس الدعوة عقب انتخابات مجلس الشعب في مطلع العام الحالي وحصول «حزب الحرية والعدالة» علي الأكثرية وحصوله مع حزب النور والأحزاب المنتمية لتيار الإسلام السياسي علي الأغلبية، فقد أعلن المهندس خيرت الشاطر في 8 فبراير 2012 في حديث لقناة الجزيرة عزم جماعة الإخوان المسلمين تشكيل حكومة ائتلافية «مبنية علي الأوزان الانتخابية النسبية للقوي السياسية المختلفة»، ولم يستطع الإخوان وحزب الحرية والعدالة تنفيذ دعوتهم حيث لم يكن من سلطة مجلس الشعب طبقا للإعلان الدستوري القائم (إعلان 30 مارس 2011) سحب الثقة من الحكومة القائمة «حكومة د. كمال الجنزوري» أو تعيين رئيس الوزراء والوزراء حيث أعطي الإعلان الدستوري المجلس الأعلي للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية بعد انتخابه هذه السلطة، ولم يقدر لمجلس الشعب الاستمرار في الوجود فأدي حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان مواد في قانون انتخابات مجلسي الشعب والشوري وبطلان مجلس الشعب الذي انتخب علي أساس هذا القانون إلي حل المجلس. ومع انتخاب د. مرسي لرئاسة الجمهورية تجدد الحديث عن الحكومة الائتلافية وتركز الحديث علي توزيع المناصب والوزارات وعن النسبة التي سيحصل عليها حزبا الأغلبية «الحرية والعدالة والنور»، وهو أمر يعكس عدم فهم لدور مغزي وأسباب تشكيل الحكومات الائتلافية. فالأصل أن يشكل الحزب الحاصل علي الأغلبية في البرلمان الحكومة منفردا، وفي البلاد التي يطبق فيها نظام مختلط للحكم مثل فرنسا يشكل أيضا الحزب الحائز علي الأغلبية الحكومة حتي ولو كان الرئيس من حزب آخر، وفي حالة عدم فوز حزب بالأغلبية التي تمكنه من تشكيل حكومة تحظي بثقة البرلمان يلجأ الحزب الحاصل علي الأكثرية للتحالف مع حزب أو أكثر وتشكيل حكومة ائتلافية لضمان تأييد البرلمان للحكومة ومنحها الثقة. وتشيع الحكومات الائتلافية في الدول التي تأخذ بنظام القوائم والتمثيل النسبي، وهو النظام السائد في دول أوروبا مثل ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسومبرج والدول الاسكندنافية، وكذلك في دول أخري مثل تركيا والمغرب وإسرائيل، وتعتبر الحكومة الائتلافية هي القاعدة في ألمانيا علي سبيل المثال، فيندر أن يفوز أي من الأحزاب الثلاثة الرئيسية فيها بأغلبية مقاعد البرلمان، لذلك يلجأ الحزب الحاصل علي الأكثرية للائتلاف مع واحد علي الأقل من الأحزاب الصغيرة لضمان الأغلبية في البرلمان واستقرار الحكومة. وللوصول إلي حكومة ائتلافية يطرح الحزب الراغب في تشكيلها برنامج الحكومة – وهو ليس بالضرورة البرنامج الانتخابي لهذا الحزب وإنما برنامج معدل – ومن يقبل من الأحزاب المدعوة للدخول في الحكومة الائتلافية هذا البرنامج ينضم للحكومة، ويستغرق وضع هذا البرنامج وتعديله جلسات طويلة من المباحثات بين الأحزاب المدعوة للمشاركة في الحكومة، ثم تبدأ المفاوضات تحول توزيع الوزارات ونصيب كل حزب من الأحزاب التي قررت المشاركة علي ضوء برنامج الحكومة. والأمر في مصر وفي ظل الرئيس د. محمد مرسي لا يسير علي هذا النحو. فلا يوجد مجلس شعب يمكن علي أساسه تحديد الثقل النسبي للأحزاب المشاركة في الحكومة، ولا يمكن القياس علي مجلس الشعب المنحل فالانتخابات القادمة يمكن أن تغير تريبة المجلس والثقل النسبي للأحزاب داخله، ولا يمكن تصور حكومة ائتلافية تضم كل الأحزاب الممثلة في البرلمان السابق (23 حزبا) أو القادم. وحتي الآن لم نسمع كلمة واحدة حول برنامج الحكومة المزمع تشكيلها، فهل سيكون هو برنامج الرئيس «رئيس الجمهورية» وهو برنامج مرفوض من الأحزاب الليبرالية واليسارية والقومية وعديد من الشخصيات التي تريد مصر «دولة مدنية ديمقراطية حديثة» وترفض الدولة الدينية أو شبه الدينية وخلط الدين بالسياسة؟!.. أم سيتم صياغة برنامج يتفق عليه من الأحزاب التي ستدعي للمشاركة، يركز علي المشترك بين هذه الأحزاب وفي هذه الحالة فالبرنامج لابد أن يسبق أي حديث عن توزيع الوزارات والمناصب، باختصار هل الحكومة الائتلافية هي ائتلاف بين الأحزاب المنتمية لتيار الإسلام السياسي فقط والقابلة لبرنامج الحرية والعدالة، أم حكومة ائتلافية بين تيارات سياسية وفكرية مختلفة، تجمع مع تيار الإسلام السياسي التيار الليبرالي واليساري والقومي؟، وفي هذه الحالة الأخيرة فصياغة برنامج مشترك لحكومة ائتلافية من هذا النوع يحتاج إلي جهد ووقت وقدرة علي الحلول الوسط والتنازلات المتبادلة، وهو أمر لا تبدو الأحزاب والقوي السياسية خاصة قوي الإسلام السياسي قادرة عليه.