هل سمعتم عن أن إحدى الشركات العقارية أو أحد البنائين فى مصر أو دولة من دول العالم قرر فجأة أن يشيد مبنى فوق الماء؟ بالطبع لم يحدث، بل إنه من الاستحالة أن يحدث، بل إننا لو حلمنا بحدوث ذلك فسيصبح الحلم كابوسا مليئا بالمخاوف والرعب من زوال وغرق هذا المبنى فى الماء، وستشعر طوال الوقت بعدم استقرار المبنى والقاطنين به وشعورهم بالتهديد والخطر فى كل وقت. إذا كان هذا لا يحدث هندسياً، فبالتالى لا يستقيم أن يحدث سياسياً، ولكن الحقيقة أن السيد الرئيس محمد مرسى استرجع خبراته وخلفيته الهندسية ليصنع طريقاً جديداً فى بناء مصر الحديثة بحيث انتهج طريقة البناء المشار إليها وهى البناء فوق الماء، وللتأكيد على ذلك دعونا ندلل على هذه الرؤية بمتابعة أداء الرئيس مرسى خلال الفترة القليلة الماضية: أولاً: لو كان مرسى جاداً فى طرح ملامح برنامجه وجاداً فى تنفيذ وعوده لما طرح فكرة برنامج المائة يوم؛ فالواقع الذى نعيشه والمشاكل المجتمعية المحيطة بنا تؤكد أن الوعد بحل مشاكل الأمن والمرور والنظافة ورغيف الخبز وأنبوبة البوتاجاز والبنزين والسولار فى مائة يوم هو عبث ومغازلة انتخابية ليس لها محل من الإعراب؛ لأن حلها يحتاج لمصباح علاء الدين وليس لرئيس جمهورية منتخب. ثانياً: مرسى وجماعته استدعوا الثورة قبل جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية مروجين أن الانحياز له ودعمه هو انحياز للثورة، وأعلن فى مؤتمر صحفى عن تكوين الجبهة الوطنية بمشاركة عدد من رموز التيار المدنى والثورى.. وكنا ننتظر بعد نجاحه استدعاءه للثورة ورموزها وإشراك الجبهة الوطنية فى إدارة الدولة.. إلا أنه استدعى مكتب الإرشاد وجماعته وأشرك الجبهة الإخوانية ونسى تماماً وعوده الثورية وغلب عليها ميوله الإخوانية. ثالثاً: وسط الجدل الدائر عن ماهية رئيس الوزراء المحتمل والتلويح بالعديد من المقابلات والمشاورات التى يجريها الرئيس، فاجأنا وصدمنا سيادته باختياره للدكتور هشام قنديل رئيساً للوزراء، ورغم تقديرى لشخص الدكتور قنديل فإن هذا الرجل لم تتجاوز خبراته وقدراته ملف الموارد المائية ودول حوض النيل.. هذا فى وقت تعيش فيه مصر أزمة اقتصادية طاحنة وأزمة سياسية أشاعت حالة من عدم الثقة بين أطراف المشهد السياسى وكنا نتوقع لذلك أن يكون رئيس الوزراء القادم إما شخصية اقتصادية خبيرة وإما شخصية ذات وزن سياسى مؤهلة لإعادة ترميم المشهد السياسى المتناثر والمرتبك.. ولكن رأى مرسى وجماعته أن اختيار قنديل هو الاختيار الأفضل والأمثل، فهو سيكون ملتزماً وسائراً على الخط الذى يرسم له من الجماعة والرئيس ولن يجادل كثيرا بل سيكون منفذاً جيداً لكل ما (يؤمر) به ليكون رئيساً شكلياً للوزارة وسيكون رئيس الوزراء الفعلى قاطناً فى مكتب الإرشاد.. هذا بالإضافة إلى المكسب الظاهرى من قنديل كونه «بروفايل» جيدا للدولة الإسلامية كرئيس وزراء ملتح، مكملاً لصورة رئيس الدولة الملتحى، وهذا إن لم يكن تدشيناً فعلياً للدولة الدينية فهو على الأقل خطوة ولو شكلية لتدشين هذه الدولة. هذا بعض وليس كل ما لاحظته على أداء الرئيس مرسى الذى يجعلنى أنصحه بأن البناء الحقيقى لمصر الجديدة هو وضع أساس متين وصحيح لهذا البناء، ومن وجهة نظرى أن هذا الأساس لن يكون سليماً إلا لو أدار مرسى البلد كرئيس للدولة المصرية بكل فصائلها وتياراتها ولكن ليس كمندوب لمكتب الإرشاد فى قصر الرئاسة.. نجاح مرسى الوطنى فى قدرته على خلع عباءة الإخوان والتعامل معهم كأى فصيل سياسى.. خصوصاً أن مرسى نجح بأصوات نصف من قاموا بالتصويت وهو ما يؤكد أن نصف الناخبين لم يكن يريده رئيساً ونجاح مرسى فى أن يبرهن لهؤلاء أنه رئيس لهم وليس لمن انتخبوه فقط، بل إننى أزعم أن أداء مرسى بهذا الشكل أفقده فى أيام قليلة عدداً غير قليل ممن أنتخبوه.