فى كل مرة انتصرت فيها مصر على العدو، أياً كان نوعه، كانت تفرد جناحيها على كل أبنائها، يستظلون بحضنها الدافئ، ويبعث هذا الدفء فى شرايينهم بطاقة هائلة من الصلابة والقدرة على التحدى والمواجهة، دونما الغرق فى حسابات المكسب والخسارة الضيقة، فكان الانتصار من نصيبها.. والحقيقة أننى أستغرب كون القائمين على شئون الدولة لم يبدر منهم، رغم خطورة المرحلة وأهميتها، ما يشى بأنهم قد فكروا فى استثمار حماسة عشرات الملايين الذين خرجوا، دون قطعة سلاح واحدة، يواجهون أخبث مخطط فى تاريخها العريق، وطرح مشروع قومى، سيكون بحد ذاته أعظم خيار للتقدم بمصر نحو الآفاق الجديرة بها، التى حاولت جماعة الإخوان وتفريعاتها، سد أى طاقة أو بصيص نور فيها.. لقد خاضت مصر معارك وتحديات ضارية وهى تخرج من قرون الاحتلال التركى ثم البريطانى، وأقامت الصناعات وبنت السد العالى، أهم مشروع فى القرن العشرين وأحد أهم المشروعات فى تاريخ الإنسانية.. التف المواطنون، بأغلبيتهم الساحقة حول القيادة، لأنهم شعروا بأن مردود كل ما يتم من مشاريع ويُقدم من خدمات، إنما يهدف إلى الارتقاء بحياتهم والتخفيف، فى مرحلة أولى، من معاناتهم. وأزعم أن ما مكّن «الإسلام السياسى» من قطاعات واسعة من المواطنين والسيطرة على عقولهم، كان هو انسحاب الدولة انسحاباً كاملاً، وتركهم «للمجهول!» الذى اكتشفنا جميعاً، أنه لم يكن مجهولا بأى حال وأنه كان ينفذ بدأب ووفق تخطيط من الخارج، لتقويض الدولة المصرية، التى استعصى تقويضها على مختلف أنواع الغزاة، وكان أخطر سلاح استخدمه الإسلام السياسى هو تمزيق الوطن بتقسيم أبنائه «أولاد الست وأولاد الجارية» وبين أخ مسلم وأخ من كفار قريش، هكذا بدون حرج، وبين مسلم سنى ومسلم شيعى، وكذلك بين مسلم وقبطى.. هذا هو ما انتبه الشعب إليه فتمرد، عساهم يتراجعون، ولما أيقن اللا فائدة ترجى منهم لكونهم منفذين، ثار ثورته التاريخية، غير عابئ بالتهديدات المفزعة التى كانت تصدر ممن ينسبون أنفسهم إلى دين «وجادلهم بالتى هى أحسن» وانصهر الكل فى واحد فانتصر فى نفض الغبار الذى كاد يختفى تحته وجه مصر الذى نعرفه ويعرفه العالم معنا.. وحيث أن الوحدة الوطنية صهرت فى بوتقتها جيشاً حمى البلاد من أعدائها على مر السنين ووقف دائماً وأبداً إلى جانب الشعب، وشرطة قيدتها أنظمة سابقة وكبلتها بمهام ليست مهامها، وكذلك القضاء والإعلام والثقافة، فإن الإعلان عن مشروع قومى الآن، وليس غداً، هو الضمانة الأكيدة والوحيدة لتحقيق ما تمناه الشعب ومعه الجيش وقائده الفريق أول عبدالفتاح السيسى ورددته معه الملايين بأن مصر هى أم الدنيا وستكون، بإذن الله، «قدّ الدنيا».. فمثلاً يتابع المصريون بفخر ما تقوم به قواتنا المسلحة من جهود رائعة، لتطهير سيناء من البؤر الإرهابية التى يتضح لنا كل يوم، من استدعاها ومن وراءها ولحساب من تعمل، فلماذا لا يصدر نداء بان هذا هو مشروعنا القومى، أن نقف كتلة واحدة خلف قواتنا المسلحة وقوات الأمن وبأننا لن يتسنى لنا تحقيق مطالب ثورتنا فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، إلا بتطهير مصر أرضاً ومناخاً فكرياً وعودة إلى دولة المواطنة، فعندما نقضى على الأمية وعلى منابر الفتنة والكراهية، سيرى الناس بوضوح تام كيف يطلب منهم تغييب عقولهم، بحيث لا يكشفون زيف من يتمسحون فى «بيت المقدس» المصابين بداء الحول، لدرجة الادعاء بأن «بيت المقدس» فى سيناء وحتى مدينة نصر، فى محاولة اغتيال وزير الداخلية وليس فى فلسطينالمحتلة.. والمشروع القومى يجب أن يشارك فيه الجميع، جميع من ينتمى إلى هذا الوطن.