يواجه رئيس الجمهورية ملفاً شائكاً يتعلق بكيفية التعامل مع تجاوزات النظام السابق والمرحلة الانتقالية برمتها، فلن يستطيع الرئيس أن يسعى لإقامة دولة العدل فى ظل شعور شعبى عام بأن من يتجاوز لا يحاسَب على جرمه، وبخاصة إذا جاء هذا التجاوز من قيادات الدولة أو من المقربين للسلطة بشكل عام. ويتضمن هذا الملف عدداً من القضايا، متمثلة فى محاكمة رموز النظام السابق، وملفات الفساد المالى والإدارى فى عهد النظام السابق، بالإضافة إلى تجاوزات المرحلة الانتقالية. وهى القضايا التى تحتاج إلى توافق شعبى حول كيفية معالجتها، إما بالتصالح المقبول شعبياً للتركيز على قضايا إعادة بناء الدولة، وهو ما يتطلب تعويض جميع المتضررين بما يناسبهم، أو بإيجاد الآلية القانونية الصالحة للتعامل مع تلك الملفات فى إطار زمنى مقبول. وهناك عدة أطروحات للتعامل مع ملف العدالة الانتقالية: الإصرار على المحاسبة القانونية على كافة وهو ما يعنى أن يضع الرئيس القادم ملف الملاحقة القانونية على قمة أولوياته، وذلك لكافة الشخصيات والكيانات الاعتبارية التى قامت بتجاوزات سياسية وإدارية ومالية وجنائية، ولكن بما لا يؤثر على مهام مواجهة باقى تحديات الدولة، مع الوضع فى الاعتبار أن استمرار الجدل حول تلك المحاكمات ما بين مؤيد ومعارض، قد يؤدى إلى حدوث اضطرابات وخصوصاً فى ظل حالة الانفلات التى تشهدها مصر. وهو ما يتطلب التأكيد على حيادية واستقلال القضاء لكى يطمئن الشعب لنتيجة تلك المحاسبات القانونية. المصالحة الشعبية وغلق الملفات السابقة، وهو الطرح الذى تبنته بعض الدول التى مرت بأزمات طويلة الأمد أدت إلى تضرر قطاعات واسعة وأعداد كبيرة من الشعب، وبخاصة فى مجال انتهاكات حقوق الإنسان. حيث كوّنت كل من جنوب أفريقيا والبرازيل والمغرب لجاناً للمصارحة والمصالحة تولت تحقيق التصالح بين الجناة والمجنى عليهم حتى تتمكن الدولة من استكمال مسيرة التحول الديمقراطى بدون ضغائن أو اضطرابات بين فئات الشعب المختلفة نتيجة لأزمات الماضى. وتمثلت مهام تلك اللجان فى السعى للوصول إلى حقيقة الانتهاكات السابقة وتوفير التعويضات للضحايا والتوصية بكيفية منع أى انتهاكات مستقبلية. ولا يعد هذا الطرح بديلاً عن المحاسبات القانونية المالية والإدارية والجنائية، وإنما يعتبر مكملاً لها لكى تتم المصالحة فى قضايا التجاوزات السياسية والجنائية التى يصعب إثباتها قانوناً. وفيما يتعلق بوجهة نظر مرشحى الرئاسة فيبدو أن هناك توافقاً عاماً حول عدم التدخل فى أحكام القضاء ودون تقديم رؤية محددة لذلك الملف الشائك.