الدعاء مخ العبادة، هذا كلام صحيح. والقرآن الكريم يقول: «وقال ربكم ادعونى أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتى سيدخلون جهنم داخرين».. صدق الله العظيم. من هذا المنطلق تتحول البرامج الدينية، وكذا المساجد، فى رمضان والأعياد وأيام الجمع، إلى منتديات للدعاء، حيث يأخذ الداعية أو الإمام أو الشيخ فى تلاوة الأدعية ومن ورائه الناس يرددون: آمين (أى اللهم استجب). وتسمع فى هذه الأدعية ألواناً من الأحلام والطلبات تبدأ بطلب الرضا والقبول، لتمر بعدها على الدعاء بالشفاء من العلل والأسقام، وترويق البال وهداية الحال، وتوسيع الرزق، وحفظ البلاد والعباد، وتنتهى بطلب النصرة على الأعداء المتربصين بنا من كل حدب وصوب، وقد يتطرق الأمر إلى الشأن الخارجى حين يتوجه الداعى إلى الله راجياً نصرة إخواننا فى سوريا وبورما وفلسطين والعراق، وأن يهدَّ جيوش الكفار والآبقين المارقين الذين يولغون فى دمائهم. لا بأس بالطبع من الدعاء، لكنه ليس بحال أساساً لحل المشكلات الصحية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والداخلية والخارجية وغيرها، خصوصاً أن الأمر يتحول فى بعض الأحوال إلى حفلات بكاء ينخرط فيها الداعى والمؤمِّنين من ورائه. ومؤكد أنك تعلم أن البعض يحرص على صلاة التراويح فى رمضان فى مسجد معين، لأن الدعاء الذى يردده الإمام هناك يهزُّه هزاً ويدفعه إلى البكاء، وربما يهمل الشخص الذى يحرص على الصلاة فى هذا المسجد أداء فرض العشاء، لكنه يهرول مسرعاً لحضور سنة «التراويح»! ربما يمارس البعض وهو يبكى فى إطار هذا «الطقس الخاص» نوعاً من العلاج النفسى، قد يكون، ولكن هل يعنى ذلك أن مشكلاته الأرضية قد حُلت؟ بالطبع لا! الدعاء فى جوهره عبادة، والعبادة التى لا يصدقها عمل أو لا يظهر لها أثر ملموس فى حياة المؤمن غير مجدية، فمن لم تنهه صلاته عن المنكر فلا صلاة له، ومن لا يعلّمه رمضان التقوى، فليس له من صيامه إلا الجوع والعطش. هكذا الدعاء أيضاً إذا لم يكن مشفوعاً بعمل فلن يجدى فى واقع الإنسان شيئاً، والانخراط فيه بالطريقة التى يؤدى بها بعض المصريين لا يعنى سوى المزيد من التردى فى الواقع المعيش مهما بحّ صوتهم بالدعاء. لقد ظل أئمة المساجد يدعون على أمريكا وإسرائيل سنين طويلة، فلا هُزمت أمريكا ولا زالت إسرائيل، وما استطعنا أن ننال منهما إلا بأيدينا التى أصابها العطب والوهن رغم إفراطنا فى الدعاء! ولله در أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حين قال: لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ثم يقول: اللهم ارزقنى، وهو يعلم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة. الحياة أساسها السعى، وليس الدروشة بالدعاء، ولا بحفلات البكاء!