أىّ إدارة فاشلة لا بد أن تنتهى بإفلاس مشروعها ومن ثمّ بانهياره.. وقد يتعثر المشروع ويتوقف الوضع هنا على الدرجة التى وصل إليها ما بين السقوط من حالق أو النهوض للانطلاق محلقاً ربما إلى أعلى مما سبق الأزمة. ينطبق هذا الحال على كل شىء فى الدنيا، بدءًا من النشاط التجارى أو الصناعى أو غيرهما ووصولاً إلى النشاط السياسى، وهذا النوع من النشاط بما يتّصل به من سلطة ونفوذ وهيمنة، الخ، الخ، يتطلب مهارة من نوع خاص ووعى بالواقع كما هو فى الحقيقة وبعيداً عن الوهم والخيال.. وقد مرّ وطننا، الذى ليس لنا سواه، بلحظات قلق أكثر حدّة ممّا مررنا ونمرّ به منذ ثورة يونيو وتأكيد مسارها وأهدافها فى يوليو من العام الحالى، حيث لم تكفّ جماعة الإخوان لحظة عن إطلاق التهديد والوعيد، والقيام بأعمال تندرج فعلاً فى خانة الإرهاب، إلّا أن محاولة اغتيال وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم. كانت العملية الأكثر حدّة فى سجلها الإرهابى، منذ حرق أقسام الشرطة وفتح السجون لأعضائها وأنصارها إبان ثورة يناير عام 2011، وهى الثورة التى سرقوها وشرعوا بعدها فى إقصاء وتهميش الشعب بأسره تمهيداً لتقويض بناء الدولة ذاته، باختصار، وبدلاً من اغتنام الفرصة الذهبية التى اقتنصوها والعمل على تغيير الفكرة السائدة عنهم، والتى كتبها الإخوان بعمليات إرهابية منذ أربعينات القرن الماضى، تعجّلوا بنهم غير مسبوق. ويفتقر إلى العقل وقراءة الواقع قراءة سليمة، تمكين جماعتهم من مفاصل الدولة، بوضع أفراد الأهل والعشيرة فيها، بغض النظر عن ضحالة كفاءتهم وضعف قدراتهم والتحكّم فى مواطنين لا يدينون بالولاء لمبدأ «السمع والطاعة» الإخوانى.. غاب المجتمع المصرى بمكوّناته ومقوّماته عن مخططاتهم، وكأنهم هبطوا من كوكب آخر على أرض لا ضرع فيها ولا زرع.. توهّم الإخوان أن استخدام الدين والاتجار به، بضاعة غير قابلة للنضوب ومن ثمّ فهم معصومون من المحاسبة أيّاً كانت تجاوزاتهم وخاصّة السياسية منها، فيما يشبه الفرية الصهيونية بأن اليهود وفدوا إلى فلسطين الخالية من الشعب، «أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض!!». أغلق حكم الإخوان عينيه وسدّ أذنيه عن السلبيات القاتلة التى واكبت إدارتهم. فكانت ثورة يونيو التى أزاحت حكمهم بمشاركة شعبية ليس لها نظير فى تاريخ البشرية.. وهو ما تنكره الجماعة، لأنه ليس من تعليمات المرشد المحلّى والدولى، وهى لا ترى ولا تسمع بمعزل عن هذا المبدأ القاتل للتفكير والتأمل واستقلال الإرادة الإنسانية، «السّمع والطّاعة».. جربت الجماعة وأنصارها أحط الأساليب وأعمال الخيانة وهى تنادى وتصرخ لاستدعاء عدوان أجنبى على مصر والاستماتة فى تبرير هكذا عدوان بحرق الكنائس، إلى الاستمرار فى هذا النهج حتى بعد أن لفظهم الشعب بشبه إجماع، إذ يحاول بعض المعبرين عنهم، إلصاق محاولة اغتيال وزير الداخلية بالأقباط؟؟ أمّا ما توعدونا به من خراب وتدمير وقطع رؤوس وسحل وتفجير، فقد وصل بهم الجمود الفكرىّ إلى حدّ مطالبتنا باعتبار ذلك كلّه من باب «الهزار».. وهذا قمة الإفلاس، أن تصل هذه الجماعة إلى مطالبة النّاس، مرّة بتصديق تهديداتهم العلنية الوحشية، وأن نذعن لمخططهم الكئيب، ومرّة أخرى أن نبتلع تكذيبهم لما نراه ونعانى منه من إرهابهم، ونصدّق بأنهم جماعة سلمية؟!