تتأسّس المرجعية الدينية علي الطاعة المطلقة. بدأتْ في العصرالوسيط للخليفة والوالي وانتهتْ في العصرالحديث للأمير. وسند الجماعات الإسلامية حديث نبوي رواه أبوصالح عن أبي هريرة «من أطاعني فقد أطاع الله. ومن أطاع أميري فقد أطاعني. ومن عصاني فقد عصي الله. ومن عصي أميري فقد عصاني» وجاء التطبيق العملي في آلاف الأمثلة منها ماقاله الوليد بن عبدالملك «أيها الناس عليكم بالطاعة ولزوم الجماعة فإنّ الشيطان مع الفرد» وقال الخليفة المنصور«أنا سلطان الله في أرضه» فحياه سفيان الثوري قائلا «وإني لا أعلم رجلا واحدًا إنْ صلح صلحتْ الأمة» فسأله الخليفة ومن هو؟ فقال سفيان «أنت» وزايد ابن هانئ أكثرفقال للخليفة الفاطمي المعزلدين الله «ماشئتَ لا ما شاءت الأقدار..فاحكم فأنت الواحد القهار» وعندما تولي يزيد بن الوليد بن عبدالملك أحضر40شيخًا شهدوا له «ما علي الخليفة حساب ولاعذاب» «تاريخ الخلفاء للسيوطي ص246» ارتبط بآلية الطاعة احتقارالجماهير، ووصل الأمرعند بعض فرق الشيعة أنّ الإمامة كالنبوة. ومن لا يعرف إمامه مات ميتة الجاهلية «د. محمد عمارة- الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية- كتاب الهلال مايو83ص159» وكما ساند الفقهاء كل خليفة طاغية ، وقف القساوسة ضد ثوار البشموريين وساندوا الخليفة المأمون. ولأنّ أصحاب المرجعية الدينية متشابهون ، نجد أنّ مارتن لوثر«الذي أشاد به مثقفو يوليو لمجرد أنه ترجم الإنجيل إلي الألمانية» يقف مع سلطة البطش ضد ثورة الفلاحين عام 1626ودعا الأمراء إلي سحقهم بلا رحمة. وقال «فكما أنّ الحماريريد أنْ يتلقي الضربات ، كذلك يريد الشعب أنْ يكون محكومًا بواسطة القوة. إنّ أمراء هذا العالم آلهة. والناس العاديون هم الشيطان. إني أفضل أنْ أحتمل أميرًا يرتكب الخطأ علي شعب يفعل الصواب» «د. إمام عبدالفتاح إمام- الطاغية- عالم المعرفة الكويتي- مارس94 ص173» لذلك كتب بعض فلاسفة التنوير«ليته وقف مع ثورة الفلاحين بدلامن ترجمة الإنجيل» وفي العصرالحديث فإنّ شرط الانضمام لجماعة الإخوان هوالقسم علي «السمع والطاعة في المنشط والمكره.. وأقسم بالله العظيم أنْ أكون حارسًا لمبادئ الإخوان وإن خالفتْ رأيي» ومن بين الوصايا العشر «لا تكثرالجدل في أي شأن من الشئون أيا كان» ولأنّ أي تنظيم ديني هو مع الاستبداد ، لذا تقدّم الإخوان بمذكرة للملك فؤاد جاء في بدايتها «إلي سدة صاحب الجلالة حامي حمي الدين.. مليك مصرالمفدي» وفي ختامها «وإليكم ياصاحب الجلالة أصدق آيات الولاء والاجلال» ولأنّ تكوين الأحزاب أحد أسلحة الجماهير، نص الإخوان في مطبوعاتهم علي «القضاء علي الحزبية» ولأنّ الأدب الرفيع أحد أسلحة العقل الحر، أصرّ الإخوان علي «مصادرة الروايات المثيرة والكتب المُشككة» «انظرالشيخ حسن البنا ومدرسته- د. رءوف شلبي- عام 78 أكثرمن صفحة» الطاعة ويتطابق حكم العسكر مع حكم المرجعية الدينية في آلية الطاعة. القاعدة في التراتبية العسكرية هي «نفذ الأمرولوغلط» وإذا جاز هذا في المعارك الحربية- مع التحفظ عليه- فهل يجوزفي إدارة المجتمع المدني ؟ وتجربة العسكرفي الحكم شاهدٌ حي علي حجم الخراب الذي أصاب الشعوب «سورية. العراق. السودان. ليبيا نماذج» أما مصرفيكفي قراءة مذكرات الضباط الذين اختلفوا مع عبدالناصر، لنري أبشع صور استبداد الحاكم العسكري الواحد الأحد الفرد المطلق. ووصل الأمر لدرجة التعذيب البشع مع الضباط الذين رفضوا جرثومة الطاعة وطالبوا بالعودة إلي الثكنات مع إقامة حياة نيابية ، مثلما حدث مع المقدم حسني الدمنهوري. ولأنّ مرجعية الطاعة المطلقة سلاح الإخوان المسلمين والعسكر لذا نشأت العلاقة العضوية بينهم. وذكر أ. طارق البشري «كانت دعوة الإخوان من أشد الدعوات جذبًا للضباط .. وكانت لعبدالناصر صلات وثيقة بهم. وكانوا التنظيم الوحيد الذي أخطره عبدالناصر بالثورة قبل قيامها. وأجل قيامها حتي ترد إليه موافقة الهضيبي المرشد العام.. وأيدت الجماعة ثورة يوليو، ولم ترمشكلة فيما اتخذه الضباط من إجراءات تتنافي مع الديمقراطية أوحل الأحزاب» «الديمقراطية ونظام يوليو- كتاب الهلال ديسمبر91ص149» لذلك عندما ألغي العسكرالأحزاب استثنوا الإخوان ، بحجة أنهم جماعة. وعندما استشعروا أنّ كرسي العرش يهتز لصالح الإخوان ظهرالوجه القمعي في عام 54بإعدام ستة واعتقال الآلاف. لكن هل معني هذا أنّ العسكر تخلوا عن سلاح الدين لارهاب الشرفاء ؟ في قاعة محمكة الثورة كانت الجدران مرصّعة بالآيات القرآنية التي تحض علي القتل مثل «اقتلوهم حيث ثقفتموهم» ولكي ىُثبّتْ العسكر أقدامهم لابد أنْ ىُشوّهوا صورة خصومهم ، فنجد صلاح سالم يستشهد بآيات كثيرة من القرآن تحض علي «قتل المنافقين» وفي نفس الوقت كان المديح للشيخ حسن الباقوري وزيرالأوقاف في حكومة العسكرالذين طلبوا من الكهنوت اختيارالآيات القرآنية في خطبهم. ولأنّ العسكروالكهنوت وجهان لعملة واحدة فهم يؤمنون بأنّ البشر«عبيد وأسياد» لذا وضع العسكرفي قاعة محاكمة الشرفاء بيتا من الشعرالعربي «العبد يقرع بالعصا.. والحرتكفيه الملامة» ولأنّ دستور71 هو الممثل لعسكر يوليو، لذا رفض المجلس العسكري سقوطه بعد ثورة شعبنا في 2011 بينما أسقط عسكر يوليو دستور23 لأنه كالشوكة في حلق الفاشية بوجهيها الديني والعسكري. وبعد أنْ غدرعبدالناصر بالإخوان ، فإنّ المرحوم حسن العشماوي بعد أنْ سجنه العسكر قال لإخوانه المسلمين مثله «لاشك أنّ عبدالناصر فعل ذلك من باب الهزار» «مذكرات إبراهيم طلعت- ص 444» وهوتعبير صادق عن أنّ العلاقة العضوية بين الكهنوت والعسكرلايمكن فصمها ، وأنّ أحدهما يسند الآخر، والغلبة لمن يجلس علي كرسي عرش مصر. هذه العلاقة العضوية عبّرعنها الإخواني د. رءوف شلبي الذي اعتبرأنّ الجيل الذي ربّاه حسن البنا أعظم من جيل شعبنا الذي انفجرغضبه في يناير77 وكانتْ حُجة د. رءوف أنّ شعبنا أحرق مصر. وإذْ وَضَعَ شعبنا في كفة المُخرّبين ، فإنه وضع جيهان السادات في كفة المُصلحين «مصدرسابق ص222، 447». كيف تم السطو؟ يتساءل العقل الحر: كيف سطا الإسلاميون «مُتشدّدون ومُعتدلون» علي الثورة؟ وكيف آمنوا بمرجعية «الشعب» وكل كتاباتهم تنص علي أنّ مرجعيتهم الوحيدة هي القرآن والسنة؟ وهل حقا ناصروا ثوار يناير2011مع أنهم ىُقدّسون مرشدهم الأول الذي كتب في مجلة النذيرعدد 33 «إنّ إهاجة العامة ثورة وأنّ الثورة فتنة وإن الفتنة في النار»؟ يري العقل الحر أنّ السطو تم بواسطتىْن : الأولي طريق الحريرالذي فرشه المجلس العسكري لهم باختيارأعضاء لجنة تعديل دستور71«الساقط ثوريا» برئاسة الفقيه الدستوري طارق البشري . وجاء الإعلان الدستوري ليقلب الأعراف الدستورية فجعل البرلمان قبل الدستور، والسماح لثلاثة آلاف من أنصارالعنف الدموي بالخروج من كهوف أفغانستان إلي مصر لتخريبها روحيا وقتل كل مقوماتها نحوالعصرنة واستقبال الميديا المصرية «خاصة وحكومية» للذين أفتوا باغتيال د. الذهبي والسادات وفرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ ، وأحرقوا الكنائس وقتلوا مصريين «مسلمين ومسيحيين» وخرّبوا الاقتصاد بالتأثيرالسلبي علي السياحة.. إلخ. استقبال الأبطال. وما حدث كان التمهيد للسبيل الثاني ، بدغدغة مشاعرالفقراء الذين انخدعوا في اللحية والجلباب القصيروكيس السكر وزجاجة الزيت. لكن أين البرنامج الانتخابي ؟ هذه منطقة محظور علي الميديا تناولها، فشهدتْ الحملة الانتخابية طغيان اللغة الدينية علي البرنامج السياسي. وكما ساند الإخوان العسكرفي يوليو52 فعلوا نفس الشيء مع السادات لدرجة أنْ أطلق بعضهم عليه لقب خليفة المسلمين مكافأة له علي خطة ضرب اليسار بالتنسيق مع رؤساء اللجان في مجلس الشعب «واقتراح بعض الأعضاء مثل عثمان أحمد عثمان ومحمد إسماعيل عثمان محافظ أسيوط إنشاء تنظيم للجماعات الإسلامية للرد علي التيارات اليسارية في الجامعات وأعلن البعض تبرعه بالمال للجماعات الإسلامية المقترحة وأنها أنشئتْ فعلا» «مصطفي كامل مراد- صحيفة الأحرار12/8/85» وتكرّرموقفهم الكربوني مع المجلس العسكري، فدافعوا عن أفعاله في ماسبيروومحمد محمود ومجلس الوزراء ، مكافأة له مقابل عدم اتخاذ أي موقف قانوني ضدهم علي جرائمهم ضد شعبنا، سواء هدم الأضرحة أوالكنائس أوقطع الطرق اعتراضًا منهم علي تعيين المحافظ المسيحي.. إلخ. تطابق وبرزالتطابق بين الإسلاميين والعسكر في حديث المجلس العسكري عن خطة لإسقاط الدولة في 25يناير، وحديث مديرالمكتب الإعلامي للجماعة الإسلامية عن مخطط «لتصفية شخصيات إسلامية وغيرإسلامية يوم 25 يناير» ولكي يكون متطابقا تطابق المثلثات مع المجلس العسكري أضاف «من ينادوا بضرورة قيام ثورة ثانية يريدوا إدخال البلد في حالة من الفوضي ، خاصة الاشتراكيين و6 إبريل وغيرهما من الحركات التي سيقف الشعب أمامها» «المصري اليوم 23/1/2012» فلأنهم حصدوا كراسي التشريع في غيبة الديمقراطية الحقيقية ، فإنّ أية ثورة جديدة لابد أنْ تكون ملعونة لأنها ستُحدث «فوضي» أليس هذا هوكلام المجلس العسكري بالحرف ؟ أما عن التطابق بين الإخوان وحزب سلطة مبارك الذي استفحل بمباركة حكم العسكرطوال 60سنة في مجال نهب موارد مصر، فلم أجد أدق من شهادة أ. محمد البرغوثي الذي كتب «مَنْ ىُطالع أسماء أعضاء مجلس إدارة «الجمعية المصرية للأعمال والاستثمار» التي أسّسها الإخوان المسلمون سيكتشف ببساطة أنّ كبار رجال الأعمال الذين مارسوا احتكارًا مُهلكا للوطن في ظل نظام مبارك، هم أنفسهم الذين استظلوا بجمعية الإخوان ، بعد أنْ أيقنوا أنّ صلة المال والأعمال أكثرمتانة من صلة الدم والمعتقد والانتماء السياسي. وكيف لنا أنْ ننجو من هذا التلاقي الرأسمالي الذي باركته السفيرة الأمريكية في القاهرة من المقرالعام للإخوان؟» «المصري اليوم 23/1/2012». فإذا كان عسكريوليو52 قد حسموا موقفهم وأنهوا شهرالعسل بالإعدامات والاعتقالات للإخوان المسلمين، فما هو مصيرالعلاقة العضوية بين الجماعات الإسلامية والعسكر بعد يناير2012؟