تكون الحيرةُ حين يتعارك خصمان شريران. فلا تدرى أىَّ جانبٍ تُناصر؛ وكلاهما شرٌّ! الشيطانُ دائماً هو ثالثهما، قائدُ تلك المعارك والمستفيدُ الأوحد منها. ينفثُ فحيحَه المسمومَ لتشتعلَ نيرانٌ، عادةً ما يدفع فاتورةَ الدم فيها طرفٌ رابعٌ، برىء. فى المعادلة السابقة، الخصمان هما: نظام الأسد، والجيش الحرُّ الإخوانى المتطرف، وكلاهما شرٌّ. والضحيةُ المغدورة هى الشعب السورى الطيب. وأما شيطان العالم، فهو خادم صهيون الأمين: أمريكا. بدأت الثورةُ السورية، قبل عامين، نقيةً طاهرة، مثل سائر ثورات الربيع العربى. فكانت اللوحةُ، آنذاك، واضحةً جلية: شعبٌ ذو سيادة، ضد نظام شمولىٍّ، يستكمل فيه بشَّار الابن، ديكتاتورية حافظ الأب، بعدما ورث عرشَ أبيه، كأنها مَلَكيةٌ، أو بالأحرى اغتصبه، بعدما غيَّروا مادةً بالدستور السورى لكى يتواءم عُمرُ الرئيس مع عُمر «ولى العهد» بشَّار الأسد. «كانت» ثورة مشرِّفة خفق فيها قلبُ كل مواطن عربى، مع الشعب السورى ضد الديكتاتور الصغير. شأنها شأنَ ثورتنا ضد مبارك، وثورة التونسيين ضد بن علىّ. لكنْ، سرعان ما اختطفتها منظماتُ المتأسلمين، كالعادة، فتحولت الحربُ بين خصميْن ظالميْن كليهما: الجيش الحر، الذى قُوامُه جماعاتٌ تكفيرية إرهابية إخوانية، وبين بشار الأسد! أما الشعب السورى، فهو المنسحقُ تحت نير الاقتتال، ودافع الفاتورة الباهظة من دمائه وأمنه ومستقبله. والآن، دخلت ساحة الحرب الشيطانةُ أمريكا، التى لا تدخل عراكاً إلا من أجل صالحها وصالح صهيون، الذى يقبضُ على عنقها الاقتصادى بأظافره المغموسة فى دماء أجدادنا وآبائنا وأولادنا. منذ عشرين عاماً، خرج مفكر إسرائيلىٌّ، اسمه أودينون، قائلاً: «سلاحنا الذى سيهزم العرب، ليس السلاح النووى، لأنه يحمل فى طيَّاته موانع استخدامه. بل يكمن سلاحُ إسرائيلَ فى المقدرة على تفتيت الدول الكبرى، التى حولها مثل مصر والعراق وسورية وإيران، إلى دويلات صغيرة متناحرة على أسس طائفية. ونجاحنا فى هذا الأمر لن يعتمد على ذكائنا، بقدر ما يعتمد على غباء الطرف الآخر». تلك كانت إرهاصة مشروع «الشرق الأوسط الكبير» الذى تبنَّته أمريكا، ونجحت فى تحقيق أول فصوله فى العراق عام 2003. وإذن، ما تفعله أمريكا اليوم فى سورية هو الفصل الثالث من مسرحية التفتيت بعدما فشل فصلُها الثانى فى مصر يومىْ 30 يونيو، و3 يوليو، بإسقاط عميل أمريكا الأمين «مرسى العياط»، ونظامه الإرهابىِّ الذى كاد أن يحقق لها مطامعها فى تفتيت مصر إلى دويلات. عن طريق منح سيناء للغزاوية، لكى ترتاحَ إسرائيلُ من صداعهم الدائم، ومنح حلايب وشلاتين للسودان المفتتة أصلاً. ثم إعطاء أمريكا الضوء الأخضر لبناء قواعد عسكرية على غرار دويلة «قطر» الخائنة، حليفة بنى صهيون. فلم تجد أمريكا بُداً من إتمام الفصل الثالث (سورية)، لكى تكون بوابتها للعودة لاستئناف الفصل الثانى (مصر)، فتتم المسرحيةُ الأمريكية-الصهيونية، وتتسيَّد إسرائيلُ على أعناق العرب. أما مزعم «حقوق الإنسان» الخائب، تجاه أطفال سورية المغدورين، فاسألوا أمريكا عن «الإنسانية» المزعومة فى معتقل جوانتانمو فى كوبا، وسجن بوغريب فى العراق! فى كلمات محمود غُزلان، القائد الإخوانى الذى ما زال طليقاً (!)، ما يؤكد هذا السيناريو. كتب على تويتر بالأمس: «يا أهل مصر، لقد أتيناكم لننقذكم من الجاهلية والكفر وعصور الظلام التى كنتم تعيشون بها، فهل هذا هو جزاء الإحسان؟ ستأتون إلينا زاحفين باكين تترجوننا وتأملون أن نسامحكم، ولكن لن تأخذنا بكم رأفة وسندكّ أعناقكم وحناجركم. لتعلموا، حالما تتحرر سوريا الأبية من قبضة بشار، سيأتى السوريون من الجيش الحر أفواجاً لتحرير مصر». فهل من مصرى، أو عربىٍّ، غافل أو خائن، ما زال يؤيد ضرب سورية بيد أمريكا الاستعمارية؟