لم تكن هذه هى المرة الأولى التى يبكى فيها الرئيس المصرى محمد مرسى عندما سمع إمام الحرم المكى يتلو قوله تعالى «وسكنتم فى مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال»؛ فقد بكى عندما ذكر الشيخ عبدالفضيل القوصى فى خطبة الجمعة بالجامع الأزهر ما قام به الفرنسيون (الفرنسيس على حد تعبير الجبرتى) من اقتحام ساحة الجامع الأزهر ودخولهم صحن الأزهر بخيولهم، كذلك أثناء تلاوة الإمام قوله تعالى «تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء». وفى الواقع لم يمر علىّ بكاء الرئيس وتساقط دموعه دون تدبر وتوقف وتحليل، فقلت فى نفسى «هل حقا تذكر الرئيس أنه يسكن الآن مساكن الذين ظلموا أنفسهم؟». هل تذكر الرئيس أنه يسكن الآن مساكن الذين كانوا يظنون أنها لن تبيد أبدا فكانت نهاية حكمهم كما نسمع ونرى الذلة والمهانة؟ فلو ترى بكاءهم عند سوقهم إلى السجون لهالَك الأمر واستوقفتك أيام مجدهم.. هل يا ترى تذكر فرعون وهامان وجنودهما؟ هل تذكر من قال: «أنا ربكم الأعلى» من كانت الأنهار تجرى من تحته ثم بعد ذلك يموت شر موتة «حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذى آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين»، ولكن فات الأوان «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»؟ هل تذكر سيادة الرئيس قارون الذى بلغ ما بلغ «وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة» حتى إذا علا فى الأرض وتجبر وظلم نفسه غاصت به الأرض ومن معه «فخسفنا به وبداره الأرض»؟ هل تذكر النمرود بن كنعان الذى ملك الدنيا الذى قال «أنا أحيى وأميت» فسلط الله -عز وجل- عليه ذبابة من البعوض دخلت فى منخره فمكثت فى منخره أربعمائة سنة فكان يضرب رأسه بالمرازب فى هذه المدة كلها، وقيل بالنعال، حتى أهلكه الله.. «فانظر كيف كان عاقبة الظالمين»؟ هل تذكر المفسدين فى الأرض الظالمين لأنفسهم وكيف كانت نهايتهم «كذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد» على مستوى الدول والأفراد؟ هل تذكر سيادة الرئيس ملك إشبيلية المعتمد بن عباد الذى آل إليه الحكم وهو فى الثلاثين، الذى امتلك قرطبة وكثيرا من المملكة الأندلسية واتسع سلطانه إلى أن بلغ مدينة مرسية الذى بلغ من الترف منتهاه فذات مرة قال لزوجته تمنى فلم تجد المرأة ما تتمناه فقالت أريد أن أمشى على الطين فجمع مستشاريه يشاورهم فى الأمر فأشاروا عليه بخلط الطين بالمسك لتمشى عليه الأميرة فكانت نهاية حكمه مريرة فقد انتزع منه الملك انتزاعا وحبس فى سجن أغمات فقيرا مجردا من ماله ومقيدا حتى قيل إن بناته رؤين يشحذن فى الطرقات وأظله العيد وهو فى السجن فقال يصف هذا المشهد الذى يقطع نياط القلوب: «فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا فى أغمات فجاءك العيد مأسورا ترى بناتك فى الأطمار جائعة يغزلن للناس ما يملكن قطميرا»؟ هل تذكر كل هذا سيادة الرئيس فسالت دموعه.. هل تذكر كل من تكبر وتجبر وتغطرس.. هل تذكر القذافى «ملك ملوك أفريقيا» ونهايته المفجعة وزين العابدين بن على الذى فر هاربا، وعلى عبدالله صالح وغيرهم من الحكام الفاسدين.. هل تذكر أحمد عز وصفوت الشريف وجمال مبارك وحبيب العادلى (النار التى تحرق البحر الذى يغرق).. هل رأى حالهم وهم يساقون إلى السجن وزعيمهم الأكبر الذى علمهم السحر (مبارك) الذى ظلم نفسه فكانت نهاية حكمه مريرة سوف تكتب بأحرف من عفن على صفحات من نتن فى مزبلة التاريخ؟ «لكل شىء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان». يا سيادة الرئيس.. إن دموع العين تكون عزيزة إذا سقطت على الأرض خيرا وعطاء ونماء، إذا ترجمت إلى رحمة وحب وتسامح، إذا رأيت فيها دماء الشهداء فانتفضت قائلا «لبيك أيها الشعب العظيم».. هذا الشعب المطحون الذى طحنه الدهر بكلكله ومزقه بتطاوله، واعلم أن الملك يعطيه الله -عز وجل- لمن يحب ولمن لا يحب فقد أعطاه الله -سبحانه- لفرعون وهامان وقارون والنمرود؛ فلا تغتر. وإذا كانت من نصيحة فضع نصب عينيك هذه الثلاث: 1- مراقبة الله عز وجل فى كل حركاتك وسكناتك؛ «أو لم يكف بربك أنه على كل شىء شهيد». 2- البطانة الصالحة؛ فكم من حاكم فى بداية حكمه كان صالحا وأفسدته بطانة السوء «ولا تركنوا إلى الذين ظلموا أنفسهم فتمسكم النار». 3- إقامة العدل؛ فالعدل يبقى الأمم ولو كانت كافرة والظلم يهلك الأمم ولو كانت مؤمنة «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل». وآخر ما أقوله لكم وأنتم فى بداية الحكم ما قاله الشيخ الشعراوى -رحمه الله- لمن سبقك وليته انتبه: «إذا كنت قدرنا فليوفقك الله وإذا كنا قدرك فليعنك الله على أن تتحمل».