منذ سقوط الطاغية القذافى وعودة مقاتلى الطوارق الذين شكلوا جزءاً أساسياً من كتائبه إلى مالى تغير المشهد السياسى، فقد سيطرت الحركة الوطنية لتحرير أزواد على شمال البلاد، بيد أن الانقلاب العسكرى فى 22 مارس، الذى أطاح بالرئيس حمادى تومانى تورى، فتح الباب واسعاً لانهيار سلطة الدولة والجيش فى الشمال وسيطرة حركات إسلامية متشددة على المنطقة، لدينا حركة ذات صلة قوية بتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى وهى حركة أنصار الدين، ولدينا حركة أخرى هى حركة التوحيد والجهاد فى غرب أفريقيا. ومن تطورات الوضع يبدو واضحاً أن القوى الإسلامية فى شمال مالى تسيطر على الوضع على حساب الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وهو ما دفع تلك الحركة، التى تغلب عليها ميول علمانية، إلى الدخول فى مفاوضات مع الحركات الإسلامية بهدف الوصول إلى صيغة لدولة إسلامية فى المنطقة تكون الشريعة مرجعيتها، ولكن فى الوقت نفسه يتم تطبيقها تدريجياً، كما تطالب الحركة الوطنية لتحرير أزواد الإسلاميين هناك بعدم أفغنة منطقة شمال مالى وتحويلها لقاعدة للمجاهدين الإسلاميين ضد دول المنطقة. يبدو أن الصيغة الإسلامية التى تطرحها الحركات الإسلامية فى شمال مالى هى التى تجتذب الحركة الوطنية لتحرير أزواد إليها، بمعنى أن الحركة العلمانية تتحول إلى التوافق على صيغة إسلامية ولكنها تحاول تقليل تشددها وتهذيبه حتى لا تتحول الدولة الإسلامية فى شمال مالى إلى دولة فى مواجهة العالم. فى الواقع الدولة الإسلامية فى شمال مالى تبدو حقيقة دولة فى مواجهة العالم، ذلك أن الصيغة الانفصالية التى تسعى تلك الحركات لطرحها لن تقبل بها دول الجوار خاصة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التى تدعو لضرورة أن تكون هناك وحدة وطنية فى البلاد قبل نهاية شهر يوليو الحالى، وفى دول المغرب العربى: (ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، وموريتانيا)، فإن اجتماع وزراء خارجية مجموعة تلك الدول فى الجزائر أكد على ضرورة تكامل الوحدة الترابية لدولة مالى ورفض صيغة الشمال الانفصالية، كما أكدوا على ضرورة أن يكون ملف الأمن فى منطقة الساحل والصحراء هو أحد الملفات التى يجب أن تكون فى موضع اهتمام تلك الدول. فرنسا تدعو لتدخل عسكرى فى شمال مالى لمنع ما تعتبره تهديداً إسلامياً لأوروبا، بيد أن الذى يضع تلك الدولة الإسلامية الجديدة فى شمال مالى فى مواجهة العالم هو إقدامها على هدم أضرحة الأولياء وانتهاك المخطوطات الثقافية التى تعد تراثاً عالمياً ودولياً لا يجوز الإقدام على تدميره. دولة شمال مالى الإسلامية تبدو كدولة العراق الإسلامية لن يقدر لها القيام طالما لم تضع فى حسبانها الوضع الإقليمى والعالمى.