الجدل حول قلادة النيل التى حصل عليها نجيب محفوظ تفتح الشهية للحديث عن الرجل. ابنة المبدع الكبير صرحت فى لقاء مع الإعلامية منى الشاذلى أن قلادة النيل التى منحها له «مبارك» كانت «فالصو». عدد من المثقفين شككوا فى كلامها، فى حين صرح مسئول بإدارة «سك العملة» بأن القلادة التى سلمت ل«محفوظ» كانت سليمة، وطلب من ابنته البحث عمن نصب عليهم. فى كل الأحوال لا أجد مصلحة لابنة نجيب محفوظ فيما ذهبت إليه، كما لا يستطيع أحد أن يُكذب مَن ينفون زعمها قبل تحقيق موسع فى الاتهام، لكن يبقى أن تصريح «أم كلثوم»، ابنة نجيب محفوظ، أعاد المبدع الكبير الذى ستمر 30 عاماً كاملة على حصوله على جائزة نوبل فى (أكتوبر 2018). نجيب محفوظ رجل «ذهبى»، لا يضيف إليه أن يحصل على قلادة من الذهب أو الياقوت أو المرجان، ولا يضيره أن تكون من فضة أو حديد أو صفيح. ليست عبقرية محفوظ فى فوزه ب«نوبل»، عبقرية الأديب الراحل فى الكيفية التى فاز بها بتلك الجائزة، وكيفية تعاطيه مع هذا الفوز غير المسبوق لأديب عربى. عدد من المصريين فازوا بجائزة نوبل: أحمد زويل ومحمد البرادعى وأنور السادات. فاز بها زويل والبرادعى وهما يعملان داخل أروقة الغرب العلمية والأممية، ونوبل بالنسبة للسادات كانت جائزة سياسية، ارتبطت بإبرام معاهدة السلام مع إسرائيل، وقد فاز بها مناصفة مع رئيس الوزراء الإسرائيلى -حينذاك- مناحم بيجين. نجيب محفوظ فاز بجائزة نوبل وهو جالس على «المقهى» بين أصدقائه وأحبائه، هنا فى شوارع وحوارى مصر، حيث كان يهوى السير. وعندما حصل نجيب محفوظ على الجائزة العالمية كان مطلوباً منه أن يمتطى ظهر إحدى الطائرات ليذهب إلى استكهولم ليتسلم براءتها. أبى الرجل السفر، ورفض أن يغير من طبائعه وطقوسه، كان الراحل لا يحب السفر ولا يهواه، لأنه كان مرتبطاً أشد الارتباط بتراب هذا البلد، وعاشقاً لكل ذرة من ذراته، وملتحماً إلى درجة الذوبان مع مجتمعه، ظهر ذلك بشكل جلى فى رواياته. أرسل «محفوظ» ابنتيه لتسلم براءة الجائزة نيابة عنه، فى موقف كان مثار استغراب الكثيرين، لكنه بالنسبة لمن يستوعب الرباط المقدس بين أبناء حضارة هذا البلد وترابه بدا أمراً طبيعياً للغاية. فقد كان «محفوظ» ابناً باراً لحضارة هذا البلد الممتدة إلى 7 آلاف سنة. لم يطرأ جديد على حياة نجيب محفوظ، بعد «نوبل»، إذ ظل ملتصقاً بالناس، عاشقاً للجلوس على مقاهى العاصمة، مولعاً بالسير فى شوارعها وأزقتها، وقد مكن ذلك أحد الإرهابيين من الوصول إليه بسكين، ذبحه بها من الوريد إلى الوريد، إرهابى جاهل استعبدته إحدى «الدقون» فساقته إلى الاعتداء على المبدع الكبير، لكن إرادة الله مضت بأن يعيش نجيب محفوظ، وأن يعبر هذه المحنة بشموخ، ليمضى فى طريقه من جديد، ويمارس حياته اليومية، مثلما كان يفعل من قبل. ومكث كذلك حتى آخر لحظات عمره، تلك اللحظات التى كان يردد الرجل الذهبى فيها أنه أصبح يحب الموت كما يحب الحياة.