مستفيدة من مناخ البلاد المتوسطي المعتدل وفي المناطق الجلبية كما على السفوح الشاسعة، تنتشر في عدد من جهات المغرب أشجار الزيتون المعروفة بجودتها العالمية، وحول زيتها وثمرها قامت في كثير من بواديه ومدنه صناعة "الزيتون"، تجعل منه منتوجا يعد في بعض المناطق مصدر رزق رئيسي لأهاليها، أما في الأسواق الشعبية المغربية فتشرع محلات بيع الزيتون المخلل أبوابها طوال السنة، رغم شكوى الزبائن المستمرة من غلاء أثمانها. ومع بداية كل موسم فلاحي يشرع العمال في جني المحصول السنوي من ثمار شجرة الزيتون، وحين انتهاء عملية القطاف، توجه كمية كبيرة من ثمار الزيتون لما يسميه السكان المحليون في المغرب ''معصرة" حيث ما زال يحتفظ الفلاحون بطرق تقليدية لاستخراج زيت الزيتون تعتمد على رحى كبيرة تديرها إحدى الدواب، إلا أن تحول إنتاج الزيتون إلى إحدى الصناعات الفلاحية الأساسية التي يعول عليها المغرب لتلبية الطلب الداخلي، وتوجيهها نحو التصدير الخارجي، جعل من الفلاحين يعتمدون على وسائل تقنية حديثة لرفع الإنتاج. وتقول السلطات المغربية إنها تهتم بتطوير قطاع إنتاج الزيتون ودعم المقاولات المحلية التي تعمل في هذا الميدان، حيث وقعت وزارة الفلاحة المغربية مع مهنيي هذا القطاع اتفاقا يهدف -حسب تقارير رسمية- إلى توسيع مساحة الأراضي التي يزرع بها الزيتون في المغرب من 725 ألف هكتار (حاليا) إلى 1.22 مليون هكتار في أفق سنة 2020، وخصصت لها ميزانية قدرها 29.5 مليار درهم مغربي (3.5 مليار دولار أمريكي). وحين العودة إلى البيوت أو للمشاغل بعد انتهاء عمليات الجني، التي يشارك فيها "أهل الحقل" رجالا ونساء وصبيانا، تبدأ عمليات تحضير ثمار الزيتون التي تستعمل للأكل أو في تحضير بعض الأطباق، حيث تضع النسوة قدورا كبيرة تنقع فيها حبات الزيتون، وذلك بعد أن تقوم النسوة بدقها لإزالة نواتها وتسمح بالتالي بنفاد الماء الذي تنقع داخله ويكون ممزوجا بكميات كبيرة من الملح والليمون، وتساعد هذه الطريقة على حفظ الزيتون واستعماله لمدة زمنية أطول، كما تستعمل طرق لتحضير الزيتون وتخليله لاستعماله في بعض الأطباق المغربية الخاصة حيث تخلط حبات الزيتون المخلل بأعشاب تضفي عليها مذاقا خاصا وألوانا مميزة. وفي السوق المغربي التقليدي، وإلى جانب باعة الخضروات واللحوم، تعد محلات بيع الزيتون إحدى مرافقه الأساسية، حيث يستقدم الباعة أنواعا مختلفة من ثمار الزيتون ويخللونها بطرق تقليدية، فتصف صحون كبيرة يوضع فيها الزيتون الذي تلون بألوان مختلفة حسب الأعشاب والزيوت المستعملة في صناعته، وفي شهر رمضان وأيام الأعياد تعرف هذه المحلات رواجا ملحوظا نظرا لاستعمال المغاربة للزيتون في إعداد الكثير من أطباقهم المفضلة. ويقول عزيز عبد المجيد (47 عاما) بائع زيتون في سوق القامرة الشعبي بالعاصمة الرباط لمراسلة الأناضول إن "المغاربة يقبلون في كل فصول السنة على هذه الثمار، التي نجلبها من مناطق مختلفة من المغرب ونعدها لتصبح ذات طعم مميز". ويعود تاريخ صناعة الزيتون واستخراج زيته في المغرب إلى مئات السنين بل إن هذه الشجرة اتخذت لدى بعد القبائل المغربية بعدا رمزيا، يتظلون بظلها وأكلون من ثمرها منها ويوقدون نارا في أيام الشتاء القارس. وكانت هذه الثمرة قوت بعض المغاربة في البوادي والمناطق البعيدة ومصدر رزقهم، وانتشرت مؤخرا في المناطق المغربية المشهورة بزراعة هذه الشجرة، شمال البلاد وفي مدينة مكناس (وسط) وفي جنوبه بالقرب من مدينة الصويرة وأغادير، تعاونيات فلاحية تساهم في دعم القرويين وخاصة النساء ممن يشتغلن في حقول الزيتون، تساعدهن على ضمان دخل لهن، وتزودهن بأدوات تسهل عليهن عملية القطاف، أما في داخل هذه التعاونيات لا يقل حماس النسوة عن ذلك الذي تنضح به الحقول، فكلما حان الموسم الفلاحي لا يخلو حديثا لهن من توقعات كمية المحصول الذي سيجنينه هذه السنة . وعلى الرغم من توفر المغرب على ثروة مهمة من هذا المنتوج الفلاحي، الذي تجود به آلاف أشجار الزيتون في ربوع البلاد، إلا أن استهلاك المواطن المغربي لزيت الزيتون يعد هزيلا مقارنة مع استهلاك الفرد في بعض البلدان المتوسطي المجاورة المشهورة بزراعة شجرة الزيتون كإسبانيا وتونس واليونان، حيث يقدر استهلاك المغربي للزيتون سنويا ب2.5 كيلوغرام فيما يبلغ في بلد كتونس حوالي 6 كيلوجرامات، بينما يبلغ هذا المعدل في إسبانيا أكثر من 10 كيلوجرامات سنويا . وينتج المغرب ما يناهز 3 في المائة من إجمالي الإنتاج العالمي من الزيتون، فيما يقول المغاربة إن ضعف الإقبال على هذا المنتوج خاصة زيت الزيتون يعود إلى ارتفاع سعره الذي يصل معدله العادي إلى 40 درهما للتر الواحد (حوالي 5 دولار أمريكي). وحسب إحصاءات لمهني القطاع فالمغرب ينتج سنويا حوالي 1.5 مليون طن سنويا من الزيتون.