تغرب الشمس اليوم بسرعة وكأنها تطلب منى الإسراع أكثر لكى أعود للبيت وأنا أتحرك فى تلك السيارة كالسحاب ببطء للحظات وتسرّع للحظة، المرور فى مصر مأساة تضيع الوقت أكثر من أى شىء ولكن علىّ الإسراع لأعود إلى البيت مبكراً؛ لأنى أريد أن أجلس كثيراً مع هبة اليوم.. وسرعان ما وصلت للبيت وصعدت السلم عدواً وفتحت باب شقتى ودخلت أنادى عليها أبحث عنها، وجدتها تشاهد التلفاز، أخبرتها بأنى أريد أن أتناول الغداء أومأت برأسها من فرط تعلقها مع أحداث المسلسل، رحلت بعيداً عنها إلى حجرة النوم لأبدل ملابسى ومضى بعدها كثير من الوقت. ثم عدت لها وجدتها كالتمثال أمام التلفاز لم تتحرك من مكانها، امتلأ جسدى غضباً، كيف لم تهتم بما قلته ومضى كل ذاك الوقت وظلت مشدوة بتلك الأحداث بالتلفاز، تمكنت من غضبى وجلست بجانبها لأرى لِمَ كل هذا الذهول جلست نصف ساعة، كانت توجد أحداث عاطفية جميلة لكنى مللت من كثرة ذاك السيل الجارف من الأحداث التى أتوقعها قبل حدوثها وكأننى شاهدت ذاك المسلسل مسبقاً، كانت أحد أكثر الأشياء التى تسلمنى للضجر، كيف يقدرون أن يتوقعوا ما تحمله اللحظات المقبلة فى المسلسل ويستمتعوا وكأنهم قد فاجأتهم الأحداث، كم ذاك ممل! انتظرت بجانبها إلى أن انتهى المسلسل وأغلقت التلفاز ونظرت لها وابتسمت إليها معاتباً. فقالت: نور أنا آسفة لقد نسيت أن.. .. .. . قطعت كلامها بكلماتى وقلت: حبيبتى كيف تنسيننى.. ؟؟ لم أكن أتوقع أنك ستنسيننى بالسهولة من أجل مسلسل!!!!! ابتسمت وقالت: سامحنى حبيبى كانت الأحداث متعاقبة ومن كثرة تعمقى فيها نسيت أن أجهز لك الطعام.. سأقوم حالاً لتجهيزه. وسرعان ما وقفت، فأخذت ذراعها وأجلستها وقلت: حبيبتى إننى أريد أن أتكلم معكِ، أنتِ تعرفيننى جيداً أنا لا أحب أن تنسينى وأن تتركينى من أجل مسلسل.. .. حاولت مقاطعتى لكنى أكملت كلماتى وأردفت.. حبيبتى أنا جلست معكِ لأرى ما تشاهدين ووجدته مسلسلا مملا فالأحداث متوقعة وتحدث بمنتهى السهولة.. لا أعرف ما الذى تتعمقين فيه لدرجة أن تسرقك الأحداث بهذا الشكل قالت: يا نور، الأحداث أتوقعها، لكن كم الرومانسية رائع جداً والممثلون والممثلات مبدعون، حيث يرسمون الأحداث لتتقاطع معا، ثم لتفترق بشكل مبهر ليس كما عندنا فى مصر دراما سيئة، أصبحت كأفلام السينما لا نستفيد منها شيئاً سوى بعض القتال وفوز الخير على الشر فى النهاية.. وضاعت المسلسلات العائلية والرومانسية. ابتسمت إليها وقلت: أعلم ما مدى سوء ما يحدث فى الفن عندنا اليوم لكن أيضا بعض المسلسلات التركية سيئة، إنها مملة، وأتوقع الأحداث والممثلون مستفزون أكثر من أى شىء. هنا ضحكت هبة بصوت عالٍ. وقالت: إنك تغار يا نور اكتشفتك، هذا هو السر، أتغار من مهند؟؟ ابتسمت وقلت: ولِمَ أغار منه.. وأنت تعرفيننى جيداً.. وأنه رغم لون عينى وجسدى الممشوق لم أعتبرهما من مميزات الرجولة وهل لون العين والشعر والقوام هما عنوان الرجولة فى نظركن يا بنات مصر.. إذن هى المأساة.. قالت: نور هذا أكثر ما جذبنى إليك.. لأنك ترى الرجولة ليست بلون عينيك ومظهرك الأنيق على الرغم من أننى أحبهما فيك، هما وتلك الابتسامة التى تلوح على وجهك الآن. ازدادت ابتسامتى وقلت: دائماً تهزميننى يا زوجتى الجميلة ولكن إنها مأساة أن تحب بنات مصر مهند وكريم وعلى وفى النهاية يتزوجن رجالا ليسوا مثلهم.. إنهن بائسات؛ لأن الحب ليس سيلاً من الكلمات تقال، كما فى تلك المسلسلات الحب شىء آخر قد يفهم ببسمة فى الوجه، يختصر بردة فعل فى موقف ما.. الحب شىء آخر. قالت: نور إنك تغالى، إن البنات لا يحببن مهند ولا كريم إنهن معجبات بكلماتهما أكثر من كل شىء وأنا معك فى أن الحب شىء آخر غير ما أراه فى تلك المسلسلات، ابتسمت بشدة وأردفت، الحب هو عتابك الرقيق لى الآن وأنا أستحق أن توبخنى بشدة؛ لأننى نسيتك للحظات، فكيف مثلك ينسى ابتسمت إليها وقلت: وهل يا حبيبتى مثلك يثار عليها، فمن الدين والرجولة والحب أن أخفض لك الحنان وأن أعاتبك فى رحمة.. وإلا لا أكون رجلاً ولا أكون عاشقاً لك ولا أكون مسلماً. هنا عادت هبة إلى الضحك بصوت عالٍ. وقالت: إنى أحبك أكثر من أى شىء، لقد علمتنى درساً اليوم لن أنساه فعلاً، وهو أن الرجولة أكبر بكثير من تلك المشاهد الرومانسية والسيل العاطفى الممل فى بعض الوقت، الرجولة أن تقدر أن ترسم الحب فى عيون الناس كلها وليس فقط فى عيون من تحب.. .. إننى أحبك جداً.. سأذهب لأجهز الغداء حالاً، دقائق وسيكون كل شىء جاهزاً، وقامت من مكانها وتحركت لكننى أمسكت يدها، وقلت: حبيبتى هل تسمحين لى بأن أشارك مليكتى فى تجهيز الطعام؟ ابتسمت وجذبت يدى إليها.