سألت نفسى لماذا غاب الجمال عنا وأصبح القبح هو المسيطر على المشهد؟ فإذا مررت بأحد الشوارع بأى محافظة فى مصر تتأمل المبانى على طول الطريق تجدها شُوهت باللافتات غير المتناغمة معا وأجهزة المكيفات وأخرى تم إلغاء شرفة أحد الطوابق وضُمت لباقى الغرف بالأخشاب أو الألوميتال أو كل مبنى له لون وشكل يختلف عن المبنى المجاور له وينفر منه، افتقدنا الجمال فى معمارنا ولم يعد لدينا معمار مميز تتميز به مصر كما هو بالمغرب أو فرنسا وإذا تأملت الناس تجد وجوههم عابسة ترتدى ألوانا باهتة وأخرى ارتدت أقنعة بمساحيق التجميل فى وضح النهار. فكرت فى مفهوم الجمال عموما(وهو تناسق أو تناغم أو تفرد رائع أخاذ يلذ لنا التأمل فى محاسنه أو الإصغاء إلى انسجام نغماته فيبهج الروح، يهذب النفس، يمتع العقل، ويثير إعجابنا بصرف النظر عن الفائدة أو المنفعة، وإنما هو شأن مقصود لذاته، وليس وسيلة لتحقيق أى غاية من خلاله مهما بلغت) وأعتقد أن سبب اختفاء الجمال هو افتقاد الحس الفنى أو ضعفه عند البعض وأننا نعيش فى عصر سيطر فيه الخوف والقلق والتوتر والتشاؤم المستمر، ولفتت نظرى هذه المقولة «الذكاء يحول القبح جمالا فى حين لا يستطيع الجمال إصلاح الجهل» فتذوق الجمال يحتاج إلى العقل النشط الناضج، فالعقل الخامل الذى تغلب عليه البلادة والغرائز والنوازع لا يستطيع أن يرى الجمال وبالتالى لايدركه ولا يشعر به فتجد شجرة جميلة أبدعها الخالق حفر عليها حروفا ورسم قلوبا أو ألا يتذوق المار بأحد الشوارع المظللة جوانبها بالأشجار والزهور جمالها ويلقى بمنديل أو علبة مياه غازية دون أن يشعر بأى ذنب أو فتاة منحها الله حسنا طبيعيا لتأتى هى بمساحيق التجميل لتضعها على وجهها بطريقة مستفزة ظنا منها أن هذا سيبرز جمالها أو ترتدى ملابس لا تناسب طبيعة جسدها لمجرد فقط مسايرة الموضة أو التقليد الأعمى للفنانات دون أن تعمل عقلها ناسية «إن المليحة من تزين حليها.. لا من غدت بحليها تتزين». نحتاج إلى قلب محب فالمحبة هى التى تنير الطريق إلى مواطن الجمال والتأثر بها ولكننا افتقدنا الحب والرومانسية فى زمن أصبحنا فيه نستمد الرومانسية من المسلسلات التركية، كما نحتاج إلى عين نشطة ومشاعر مرهفة حساسة فالإنسان الذى اعتاد قضاء حياته بين أربعة جدران ولا يرى من الحياة إلا وجهها الحالك فهذا لا يدرك معنى الجمال وكذلك تفعل النفس التى ترى من الحياة جانبها المادى وترى الجمال فى الحصول على المزيد من الأموال والعقارات وأصبحت عبدا مملوكا للمال، فقط نحتاج إلى النفس الطيبة والمتزنة، السوية، المتسامحة لنرى الكون جميلا، نفس ترى الحب والخير والجمال غير ميالة للقبح والبشاعة فى أذى الغير، أن نوازن بين الجانب الحسى والروحى والمادى والمعنوى أن ندرك جيدا قيم الحق والخير والجمال عملا بالحديث النبوى الشريف: (اللهم إنى أسألك نفسا مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك). إن الإيمان بالجمال والعمل على تنمية ملكاته، وغرس الميول المختلفة المساعدة على الذوق الرفيع لدى أبنائنا شىء حيوى وضرورى لتنشئة أجيال تتذوق الحياة بروح ملؤها المرح والبهجة والسرور فالنفس البشرية لا تنهض بمستوياتها الوجدانية والفكرية، إلاّ من خلال البحث عن الجمال.