خلف عجلة القيادة اتخذ موقعه، موجهاً حديثا لركابه: «اقفل الباب لو سمحت يا بيه»، يسأله الراكب وهو يهم بإغلاق باب الميكروباص: «هتعدى من رابعة يا ريس؟»، فيبتسم ساخرا: «هو بقى فيه رابعة؟ ما راحت عليها خلاص.. هتنزل الناحية التانية قبلها بشوية وتتمشى يا باشا، بس خد بالك أحسن الناس اللى هناك ما بترحمش». الحديث داخل العربة لا يختلف عن خارجها، للسياسة الصوت الأعلى، تتداخل الأصوات حين يأتى ذكر اعتصام «رابعة»، بعض الركاب يصفهم ب«الغلابة المخدوعين» وبعضهم يعتبرونهم بلطجية مأجورين، يسترسلون فى الحديث عن الاعتصام الذى شل حركتهم فى المنطقة وأوقف مصالحهم، وأفسد عليهم الشهر الكريم، قبل أن ينحرف الميكروباص بقوة، وتعلو صيحة ممدوح أحمد، سائقه: «لا مؤاخذة يا جماعة، هنمشى عكسى.. ما هو الجيش قالك اتصرف، واحنا ما قدامناش غير كده». ينهى السائق حديثه ليتواصل حديث الركاب حول الموضوع نفسه، باعتبار تصرف السائق نتيجة طبيعية للأزمة التى أحدثها الإخوان باعتصامهم فى «رابعة العدوية». احتياطات السير التى يتخذها يوميا لم تمنع تكرار مواجهاته بمعتصمى «رابعة»؛ فكلما حاول المرور من قلب الاعتصام توفيرا للفّ فى شوارع مدينة نصر الجانبية، قابله المعتصمون بالرفض الذى يصل لدرجة الاشتباك: «بطلع كل يوم عشان أعملى 3 أو 4 لفات يقوم الإخوان يخلونى أرجع بلفتين بالعافية، حسبى الله ونعم الوكيل»، يسير «ممدوح» فى الاتجاه العكسى أغلب الأحيان، دون خوف من مخالفات أو غرامات فورية يطبقها رجال المرور، وإن كان أكثر ما يخشاه هو الاشتباكات اليومية مع أصحاب السيارات الملاكى «فاكرينا معطلين الطريق ما يعرفوش إننا ضحايا زيهم للإخوان اللى احتلوا الشارع». أيقن «ممدوح» فى السنوات الأخيرة أن التظاهر حق مكفول للجميع؛ لذا لا يعارضه: «اتظاهروا لكن ما تخربوش بيوتنا، يرضى مين أفضل ألف وأحرق فى بنزين؟ والزباين مش عاجبها.. هلاقيها منكم ولا من الزباين ولا المرور اللى ما بقاش موجود؟»، يصعد بسيارته الميكروباص أحيانا فوق الرصيف ليقطع الشارع، فضلا عن السير فى الاتجاه العكسى. الحالة نفسها تنطبق على محمد عزت، سائق ميكروباص فى الخط نفسه منذ 11 عاما: «بطلع وردية من مدينة نصر وبنزل رمسيس وبعدها بطلع على جامعة الدول، البلد تعبانة وإحنا حالنا من حال البلد»، يؤكد «عزت» أن الطرق البديلة التى لجأ إليها سائقو الميكروباصات زادت الوضع سوءا: «الدنيا صيام والواحد فيه اللى مكفيه، وسواء اللى فى رابعة ولا التحرير حالنا وقف وعليه العوض»، يلتزم بقواعد المرور رغم المعاناة التى يواجهها: «لو كسرت طريق ولا مشيت عكس هتأخر أكتر»، يشكو الرجل الأربعينى من غياب دور الشرطة: «أدينا ماشيين وواحد داخل عكس وأمين الشرطة واقف، يقدر يتكلم معاه؟ إحنا خلاص الشرطة سحبت إيديها من يوم 25 يناير والواحد دلوقتى هو اللى بيتعامل مع الموقف ومش بيستنى حد يجيبله حقه».